إنّها شذراتٌ فحسب ومضاتٌ حائرةٌ بين النثر والشعر أوحتْ بها الحربُ التي تعصفُ بالسوريين، منذ سنواتٍ هباء، ينصهرُ فيها الحدثُ بالمخيلة، والسيرةُ الذاتيةُ بالفانتازيا.والكتابةُ بدأت في فجرِ اليوم الأوّل، مع أوّلِ طلقةٍ اخترقَ أزيزُها عنانَ السّماء، بينما كنتُ أحضّر قهوتي...
إنّها شذراتٌ فحسب ومضاتٌ حائرةٌ بين النثر والشعر أوحتْ بها الحربُ التي تعصفُ بالسوريين، منذ سنواتٍ هباء، ينصهرُ فيها الحدثُ بالمخيلة، والسيرةُ الذاتيةُ بالفانتازيا.
والكتابةُ بدأت في فجرِ اليوم الأوّل، مع أوّلِ طلقةٍ اخترقَ أزيزُها عنانَ السّماء، بينما كنتُ أحضّر قهوتي الصّباحية، وأفكّر بيوم ميلادي، الذي يصادفُ اللحظةَ الأولى من بزوغ أوّل خيطٍ لشّمس العام الجديد، حيث تجدني أرمي في سلّةِ المهملات، روزنامةَ العام الفائت، بمواعيدها وتنهّداتها وأحداثها، وأتنفسُ الصعداءَ، كأنّ حملاً ثقيلاً سقطَ عن كاهلي، ما يجعلني أشعرُ بإنعدام الوزنِ، متحولاً إلى كائن خرافيِّ، يحلّقُ في فضاء السّديم كشخصيات ميلان كونديرا.
في هذا الصباح الخلّبي، ضرب البرقُ موعداً مع نافذتي، ممزقاً الوردةَ الشتوية على الشّرفة الشّمالية للمنزل، كان الضبابُ قد حلّ ضيفاً ثقيلاً على الأشياء من حولي، كأنّما خرج للتوِّ من لوحةٍ سرياليةٍ صامتة، ماحياً أثناء عبوره، المآذنَ والكنائسَ وأعمدةَ الكهرباء، متنقّلاً بين السّطوح القرميدية المتهاوية مثل سرابٍ يخمشُ القرميدية المتهاوية مثل سرابٍ يخمشُ بأظافرهِ زجاجَ النّوافذ.
في تلك اللحظةِ، بدتْ دمشقُ ورقةً مشقوقةً من كتابٍ عتيقٍ، رماها الربُّ الغاضبُ في مهبّ ريحٍ صفراء، تعلو ثم تهوي، ثم تعلو، وتتدحرجُ من أعلى قمّةِ قاسيون، حروفُها تتطايرُ كالقش بين بيوتٍ عتيقةٍ، لا يسكنُ خلف عتباتِها سوى الأشباح.