لم يتحدث أي إنسان بسحر أروع من سحر حديثه عن الإستثناءات والمفارقات في الحياة الإنسانية وفي الطبيعة: - نهايات الفصول المثقلة بالبهاء المسكر؛ الساعات الدافئة، الرطبة الضبابية حيث الريح الجنوبية تُرخي الأعصاب كالحبال، وحيث تمتلئ العيون بدمع لا يأتي من القلب؛ التهاويل التي...
لم يتحدث أي إنسان بسحر أروع من سحر حديثه عن الإستثناءات والمفارقات في الحياة الإنسانية وفي الطبيعة: - نهايات الفصول المثقلة بالبهاء المسكر؛ الساعات الدافئة، الرطبة الضبابية حيث الريح الجنوبية تُرخي الأعصاب كالحبال، وحيث تمتلئ العيون بدمع لا يأتي من القلب؛ التهاويل التي تفتح الطريق أولاً للشك، ثم لا تلبث أن تصير مقنعة، مليئة بالبراهين كالكتاب؛ العبث الذي يسكن في البصيرة ويحكمها وفق منطق رهيب؛ التهيج العصبي الذي يغتصب الإرادة ويذللها؛ التناقض القائم بين الأعصاب والفكر؛ الإنسان المتصدع إلى درجة التعبير عن الألم بالضحك.
إنه يحلل أكثر الأشياء هروباً وتفتلاً من التحليل، يزن ما لا يُوزن، يصف بطريقة محكمة وعلمية مخيفة، هذا العالم الخيالي الذي يتموَّج حول الإنسان العصبي ويتحكم به ويقوده.
هذا الشخص الذي اجتاز الأعالي الفنية الوعرة، وغاص في مهاوي الفكر الإنساني، واكتشف، عبر حياته الشبيهة بالعاصفة التي لم تهدأ، طرائق جديدة وأشكالاً مجهولة، لكي يدهش الخيال ويروّي العقول الظامئة أبداً إلى الجمال؛ - هذا الشخص مات فوق أحد المقاعد في الشارع، عام 1849، وكان عمره سبعة وثلاثين عاماً.