إن الأزمة العربية الحقيقية ليست سياسية إلا ظاهرياً . فهي ، جوهرياً ، كما تبدو لي ، ثقافية ، من حيث أن الثقافة ، وبخاصة في جوانبها الإبداعية ، هي الإفصاح الأعلى عن الهوية . وإذا أدركنا أن المجتمع العربي بدأ ينهار إبداعياً منذ بدايات الهيمنة العثمانية عليه ، وأن السياسات...
إن الأزمة العربية الحقيقية ليست سياسية إلا ظاهرياً . فهي ، جوهرياً ، كما تبدو لي ، ثقافية ، من حيث أن الثقافة ، وبخاصة في جوانبها الإبداعية ، هي الإفصاح الأعلى عن الهوية . وإذا أدركنا أن المجتمع العربي بدأ ينهار إبداعياً منذ بدايات الهيمنة العثمانية عليه ، وأن السياسات الوطنية ، بعد زوال الإستعمار الحديث ، لم تنهض على ثقافة إبداعية ، بل على ثقافة إيديولوجية – تبسيطية ، ندرك اليوم بعضاً من أسرار هذه الأزمة وأسبابها . وندرك هذه التخبط العام – فردياً ، وجماعياً .
إن معظم المثقفين العرب ، اليوم ، في تبعيتهم شبه الكاملة لسياسة إجرائية يفرضها النظام أو التنظيم ، بحجة أو بأخرى ، يمارسون سياسة بلا ثقافة ، وينتجون باسم هذه السياسة ، ثقافة هي أيضاً بلا ثقافة . ومن هنا يشاركون في تثبيت العوامل التي تطمس الإبداعية في المجتمع ، ويؤكدون أن " المثقف " العربي ، اليوم هو الأداة المباشرة للقمع الثقافي . ومن هنا كذلك ، يبدو المجتمع كأنه هو نفسه مؤسسة مؤممة . ونرى الأزمة في أسوأ مظاهرها حدة ، حين نعي ، على الأخص ، كيف أن الطبقة السياسية في المجتمع العربي لا تتجدد عضوياً ، وبشكل ديموقراطي حي يعبر عن حاجاته وتطلعاته ، ويجسّد حيويته ، بتنوعاتها وتبايناتها جميعاً . وهذا مما يقود المجتمع إلى أن يتقلص في السياسة – السلطة ، وإلى أن تصبح هذه آلة قاهرة تمحو كل ما ترى ومن ترى أنه يعرقل حركتها . هكذا يعيش المواطن ، لا بوصفه كائناً أو كياناً حراً بل بوصفه " عضواً " في هذه الآلة .