هذا الكتاب محاولة للتوفيق بين إتجاهين، أحدهما في علم النفس والآخر في الفيزياء، أجد نفسي متعاطفاً معهما كليهما، رغم أنهما للوهلة الأولى قد يبدوان متناقضين؛ فمن جهة، كثير من علماء النفس، خاصة أنصار المدرسة السلوكية، يميلون لتبني ما يعتبر بالأساس موقفاً مادياً، كمادة منهج...
هذا الكتاب محاولة للتوفيق بين إتجاهين، أحدهما في علم النفس والآخر في الفيزياء، أجد نفسي متعاطفاً معهما كليهما، رغم أنهما للوهلة الأولى قد يبدوان متناقضين؛ فمن جهة، كثير من علماء النفس، خاصة أنصار المدرسة السلوكية، يميلون لتبني ما يعتبر بالأساس موقفاً مادياً، كمادة منهج إن لم يكن مادة ميتافيزيق، إنهم يجعلون علم النفس يعتمد بشكل متزايد على علم الهيئة والمشاهدة الخارجية، ويميلون للتفكير بالمادة كشيء ما أكثر تماسكاً بكثير وأقل عرضة للشك من العقل، بينما الفيزيائيون، ولا سيما أينشتاين والأنصار الآخرون لنظرية النسبية، يجعلون "المادة" أقل واقل مادية.
عالم يتكون من وقائع تستمد منها المادة من خلال تركيب منطقي، فكل من يقرأ، مثلاً، كتاب الاستاذ إدينغتون "المكان، الزمان والجاذبية" سيرى أن المادية عتيقة - الطراز لم تعد تلقى دعماً من الفيزياء الحديثة، وأظن أن ما يتصف بقيمة ثابتة في نظر السلوكيين إنما هو الشعور بأن الفيزياء هي العلم الأكثر أساسية في الوجود الراهن.
لكن هذا الموقف لا يمكن أن يدعى مادياً، إذ لم يعتبر الفيزياء، كما يبدو أنها هي الحالة، وجود المادة أمراً مفروغاً منه.