لماذا التاريخ؟يطرح المؤلف هذا السؤال في مقدمته ويقول: يبدو لنا في تعبير «تاريخ الأفكار السياسية» أن كلمة «تاريخ» هي أهم من كلمة «سياسي» فنحن لا نؤمن مطلقاً «بالسياسة الصرفة» بل يبدو لنا تاريخ الأفكار السياسية لا ينفصل عن تاريخ المؤسسات وتاريخ المجتمعات وتاريخ الوقائع...
لماذا التاريخ؟
يطرح المؤلف هذا السؤال في مقدمته ويقول: يبدو لنا في تعبير «تاريخ الأفكار السياسية» أن كلمة «تاريخ» هي أهم من كلمة «سياسي» فنحن لا نؤمن مطلقاً «بالسياسة الصرفة» بل يبدو لنا تاريخ الأفكار السياسية لا ينفصل عن تاريخ المؤسسات وتاريخ المجتمعات وتاريخ الوقائع والمذاهب الاقتصادية وتاريخ الأديان وتاريخ الآداب وتاريخ التقنيات هذا وإن عزل بعض المذاهب ودراستها ومقابلتها بفكرة معينة عن علم السياسة وبنموذج قدوة إنما هو محاولة لا تنكر فائدتها، أما نحن فقد سعينا أن نعمل شيئاً آخر ولم نعن بتحليل بعض هذه المذاهب السياسية بالتفصيل بقدر ما اهتممنا بتحديد موقعها في عصر ما وفي مجتمع معين.
وبالتالي يراعي كتابنا التاريخ الزمني للأحداث على وجه الإجمال ونحن قد عدلنا عن إنشاء تصنيف في نماذج للمذاهب وعن اتباع مخطط قائم على التمييز بين التيارات الفكرية، وبدا لنا أنه كلما أمعنا في دراسة حقيقة معينة ظهرت لنا هذه التمييزات ضعيفة هشة واكتشفنا التواصل بين تيارات الفكر المتعارضة في الظاهر. ولا يحتل في كتابنا تحليل «المؤلفات السياسية الكبرى» إلا مكاناً محدوداً نسبياً، فمن جهة يوجد حول هذا الموضوع كتاب ممتاز، ومن جهة أخرى ما من تحليل مهما يكن دقيقاً يعفي الطلاب من قراءة تلك «المؤلفات الكبرى» ولقد كانت عنايتنا بالدراسة المفصلة «لروح القوانين» أو «العقد الاجتماعي» أقل منها في أن نبين على الأقل أن نوحي بأن «روح القوانين» لا يعبر عن كامل فكر مونتسكيو أكثر مما يعبر «العقد الاجتماعي»عن كامل فكر روسو وأن عمل المؤلف يجب أن يدرس في جملته.
وأن عملي مونتسكيو وروسو هما أبعد جداً من أن يلخصا الأفكار السياسية لفرنسا في القرن الثامن عشر فهما من نواح عدة على هامش الايديولوجية السائدة التي هي النفعية البرجوازية، تلك النفعية البرجوازية التي تعبر عن نفسها في مؤلفات فولتير وديدور وهيرم وفرانكلين…الخ.
وبالتالي يفرد كتابنا حيزاً لا بأس بسعته لمؤلفين ليسوا «بمفكرين سياسيين» لكن كان لأفكارهم ذيوع مهم في الفترة التي صدرت فيها وبدت لنا على هذا النحو بأنها تسهم في إيضاح حالة المجتمع، فهل عظمنا من شأن «الأصغرين»؟ لسوف يظن ذلك بعض القراء بلا شك.
وفي الواقع إنني أخشى أن يظهر هذا الكتاب وعراً بنظر طلاب الإجازة في الحقوق وأن يبدو موجزاً بنظر المؤرخين المتفرغين لدراسة حقبة معينة، وبدلاً من أن نسعى قبل كل شيء لنقدم كتاباً يسهل تمثله، اعتقدنا أنه ربما لم يكن من غير المفيد أن نشعر الطلاب بأنه لا يمكن تقليص تعقد التاريخ إلى بعض المؤلفين أو على بعض الآثار الفكرية، وأن الأشياء في النهاية ليست بسيطة إلى هذا الحد.
ومع ذلك، ما أكثر التبسيط في هذا الكتاب! إننا إذ عزمنا على أن نذكر عدداً كبيراً من المؤلفين، تحدثنا عنهم في أغلب الأحيان بإيجاز مفرط، وكان هذا الإيجاز قمنا به أكثر ظهوراً وإزعاجاً مما لو اقتصرنا عن عمد على بعض الأسماء الكبيرة جداً، ومن جهة أخرى يظهر كتابنا ثغرات كبيرة إذ لا شيء فيه عن الأفكار السياسية في العصر القديم قبل اليونان الكلاسيكية، ولا شيء تقريباً عن الأفكار العبرانية وهناك إشارات مختصرة إلى الأفكار السياسية في الإسلام ولا شيء عن الهند ولا شيء من الناحية الفعلية عن الصين قبل النظام الشيوعي ولا عن روسيا قبل 1917 وهناك أفكار متفرقة عن إسبانيا وإيطاليا ولا شيء عن أوروبا الوسطى وهناك بضع صفحات عن الولايات المتحدة…