لم تكن حياة فريد زعبوبة تجري بوحي المصادفة السعيدة أو التعسة، بل حياة منظمة تخطو وفق آلية محكمة وسديدة. حياة أحكم مسيرتها قبل عشر سنوات، منذ أصبح موظفاً في الدولة، أثر تخرجه من كلية التجارة، يقضي نصف نهاره في مكتبة الواسع في مصلحة "مياه عين الفيجة" يستقبل المراجعين والزوار...
لم تكن حياة فريد زعبوبة تجري بوحي المصادفة السعيدة أو التعسة، بل حياة منظمة تخطو وفق آلية محكمة وسديدة. حياة أحكم مسيرتها قبل عشر سنوات، منذ أصبح موظفاً في الدولة، أثر تخرجه من كلية التجارة، يقضي نصف نهاره في مكتبة الواسع في مصلحة "مياه عين الفيجة" يستقبل المراجعين والزوار بحفاوة مبالغ بها ومشكوك فيها، ويحل بهدوء يحسد عليه مشاكل المياه العسيرة والموظفين الشائكة. ثم يذهب لتناول طعام غدائه في بيته في حين "العمارة"، أو في أحد مطاعم طلعة "السنجقدار". بعد القيلولة الرخية، يخرج لزيارة أقاربه، أو لمشاهدة فيلم سينمائي. وفي المساء يزدرد قطعة من الجبن وبضع حبات من الزيتون الأخضر، ويحتسي على مهل كأس من اللبن الرائب، وهو يقرأ القصص المسلية والمفيدة من مجلة "المختار" وأخبار الفن والمجتمع في المجلات الأسبوعية الملونة، مهتماً على الأخص بقراءة باب "صدق أو لا تصدق"، حافظاً عن ظهر قلب طرفه العجيبة والخارقة متحفاً بنكهتها الشائقة سامعيه ومحدثيه. في بعض الأحيان، يتردد على مقهى "الحجاز" أو "الفاروق"، ويجدد صلاته بأصدقاء المدرسة والجامعة الذين أصبحوا موظفين كباراً على حين غرة، ثم أحالتهم التغيرات السريعة في مناصب الدولة إلى عاطلين عن العمل، يمارسون لعب الحظ، يستفتون الورق عن عودتهم المرتقبة إلى مناصبهم المرموقة. وحتى بعد إعلان خطوبته في الصيف الماضي، لم يتبدل شيء في ذلك الترتيب اللطيف لحياته، سوى أنه أصبح يزور بيت حميه مرة في الأسبوع، بانتظار انتهاء "غرفة النوم"، وبما أن غرفة النوم قاربت على الانتهاء واقترب معها عقد القران، فقد اكتست تصرفاته بالثقة بالنفس والألفة، وأصبح يزورهم مرتين في الأسبوع، متجرئاً على الخطيبة، مسترقاً النظرات الحالمة إلى وجهها الصبوح ومتبادلاً معها الكلمات الرقيقة.