يتلخص الطموح الأساسي لهذه الدراسة في قضيتين اثنتين، أولاهما: تخليص شخصية "الوليد بن يزيد" مما تراكم فوقها من أخبار وأحداث، جعلت منها أنموذجاً صارخاً للفسق والتهتك والزندقة، وثانيتهما: معاينة تجربته الشعرية من جوانبها كافة، ومحاولة إيجاد موقع ملائم لها في تراثنا...
يتلخص الطموح الأساسي لهذه الدراسة في قضيتين اثنتين، أولاهما: تخليص شخصية "الوليد بن يزيد" مما تراكم فوقها من أخبار وأحداث، جعلت منها أنموذجاً صارخاً للفسق والتهتك والزندقة، وثانيتهما: معاينة تجربته الشعرية من جوانبها كافة، ومحاولة إيجاد موقع ملائم لها في تراثنا الشعري. ولتحقيق هذا الطموح، كان لا بد من التخلي عن التصورات المتكونة حول هذه الشخصية وتجربتها الفنية، وإعادة قراءتها ضمن ظروفها الاجتماعية والسياسية، ومحاولة إيجاد رسم مقارب لحقيقتها البشرية. فهذه الشخصية، سواء أحببناها أم لا، ليست إلا نتاجاً طبيعياً لجملة من الظروف الخاصة والعامة، وفي تاريخه السابق واللاحق، وجدت نماذج كثيرة مشابهة لها في التفكير والسلوك، إلا أنها لم تثر من الجدل، واللغط والتشويه المتعمد ما نال شخصية "الوليد بن يزيد" لأسباب عدة. وهذا الإجماع شبه الكامل من قبل أقربائه وأعدائه معاً على فساد تفكيره وأخلاقه، لم يحل دون الكشف عما تنطوي عليه نفسه من اعتداد وأنفة وفروسية، ولم يبعدنا كثيراً عما يختلج في أعماقه من مشاعر الغربة والانفصال وافتقاد الآخر: حبية، صديقاً، عالماً مشتهى.وإذا كانت الدوافع متوافرة بكثرة عند من جنوا عليه قولاً وفعلاً من وجهة نظرهم، فلعلهم لم يكونوا بأحسن منه. ولعل كشفه لنفاقهم، وإصراره على تحقيق رغباته، والإفصاح عنها أياً كانت، زاد في حدتهم عليه، وتنغيص حياته، إلى أن استطاعوا إنهاءها. ويبدو أنه كان صادقاً فيما يعتقد ويفعل، إلا أن اضطراب حياته وتركة أسلافه الثقيلة، لم تتيحا له أن يكون كما هو على حقيقته: إنساناً يعشق الحياة، فيحيل لحظاتها إلى مجالس شرب وغناء ونساء. ومن يدري فلعل كونه ولياً للعهد -وخليفة بعد ذلك- قد كان السبب الأساس في استنزاف حياته بهذا الشكل، وتوزعها بين لحظات مسروقة يعيش فيها على هواء، وأخرى ثقيلة وطويلة نتيجة إحساسه بأنه مهدد وآيل إلى فناء، لا شيء بعده سوى العدم. بهذا الإحساس كان يقبل على متع الحياة ويعب منها، عساه يعوض سلفاً ما سيحرم منه بعد الموت، إذ كان يشكك بحياة ما بعد الموت، ويسخر من الطامعين فيها، بيقين من يدرك أن لا حياة سوى هذه، فعليه أن يقبض عليها بكل أحاسيسه، وأن يملأها بالفرح أياً كان مبعثه وطريقته. وفيما يتعلق بتجربته الشعرية، فقد كانت تتويجاً لهذه الحياة التي عاشها، بكل ما فيها من المرح والترقب والأسى. ومن هنا فإن تجربته في الشعر تكمل تجربته في الحياة، وتعمقها. ويبرز تأثر شعره بمجريات حياته بشكل جلي، سواء من حيث الموضوعات أو من حيث طريقة التعبير عنها، فمعظم أفكار شعره مأخوذة من لحظات حياته أو انفعالاته، دون تصنع، أو تنميق، ومن هنا كترت في أشعاره صور الخمر والغناء والمرأة.