بالطبع ليست كل كتابة عن التاريخ هروباً ثمة كتابتات تحاول ترويض الحاضر بالتاريخ، إلا أن الكم الأكبر في هذه الأيام يحاول ترويض التاريخ كمطية آمنة ذلول لتحويل ما ينطوي عليه الحاضر من نقص أو انعدام الفروسية بشتى معانيها. طلال نصر الدين حاول بالتاريخ لا عن التاريخ (نبوخذ نصر) وهو...
بالطبع ليست كل كتابة عن التاريخ هروباً ثمة كتابتات تحاول ترويض الحاضر بالتاريخ، إلا أن الكم الأكبر في هذه الأيام يحاول ترويض التاريخ كمطية آمنة ذلول لتحويل ما ينطوي عليه الحاضر من نقص أو انعدام الفروسية بشتى معانيها. طلال نصر الدين حاول بالتاريخ لا عن التاريخ (نبوخذ نصر) وهو الآن الحاضر ويحاوره بأقصى ما لديه من دهاء وشجاعة وبأقصى ما لديه من عناد وشرف من فوضى ولياقة وتهتك ومبدئية وأخيراً بما لا يقبل الأسر ولا التدجين. لقد أعطى طلال الكثير من قناعاته ومواقفه ونزواته لفؤاد بطله الساعي إلى تعرية المؤسسات والعلاقات والقوانين وحتى البشر تعريتهم من الداخل (مدراء مخرجين...) وحتى من الخارج (رغبة بتعرية نورا المسكونة أبداً بحسابات الآخرين ومراقبتهم) ولكن إذا أوصل طلال بطله مقيداً (بالواقع الذي يحتل فيه التافهون كل الأماكن الهامة) إلى حافة العجز والقنوط وبالتالي إلى اتخاذه قرار التحلقة الأخيرة للطائر الحر فإنه لم يغفل عن إمكانيات أخرى لم تستطع ذاتية فؤاد التي تصل حد الاعتراضية أحياناً واندفاعاته التي تصل حد الطيش أحياناً أخرى أن تتعامل مع تلك الإمكانيات بغية إرجاء التحليقة الأخيرة إلى أجلها أو نهايتها الطبيعية. إذاً ليست المسرحية أحجية صافية للخراب الراهن ولا مديحاً صافياً لاحتجاجات الطائر الحر على هذا الخراب، هي شيء يشبه الملح في شيء يشبه الجرح.