-
/ عربي / USD
إنّ الدين المدني الأميركي هو أول مثالٍ تاريخي لديانة السياسة في العصر الحديث. وأقصد بــ «ديانة السياسة» شكلًا محددًا من تقديس السياسة، والذي ظهر في العصر الحديث بعدما ظفر العالم السياسي باستقلاله من سطوة الدين التقليدي. بالاستيلاء على البُعد الديني واكتساب الطبيعة المقدَّسة، ذهبت السياسة بعيدًا إلى حد المطالبة لنفسها بحق الامتياز الذي يُخوِّل لها تحديد المعنى والهدف الأساسي للوجود الإنساني بشكل فردي أو جماعي، على الأقل في هذه الأرض. يتمُّ إنشاء ديانة السياسة كلما تحوَّل كيانٌ سياسي مثل أمة أو دولة أو عِرق أو طبقة أو حزب أو حركة إلى كيان مقدَّس، وهذا يعني أن تصبح متعالية وغير قابلة للطعن ولا يُمكن إدراكها. وهكذا تصبح نواةً لنظام دقيق من العقائد والأساطير والقيم والوصايا والطقوس والرموز، وبالتالي موضوعًا للإيمان والتبجيل والمهابة والولاء والإخلاص، والذي يقوم الناس - عند الضرورة - بالتضحية بأرواحهم من أجله. ما يتمخّض عن دين السياسة هو دين بمعنى نظام من عقائد وأساطير وشعائر ورموز تُفسِّر وتُحدِّد معنى ونهاية الوجود الإنساني عبر إخضاع مصير الفرد والجماعة لكيان أعلى.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد