-
/ عربي / USD
أخبرني شفيق أنّ درس اليوم سيكون مخصصاً لـ "رسم الموديل"، كانت المرّة الأولى الّتي يقع فيها ناظري على: م. في الدرس السابق، جرى الإِتيان بأحد العمّال للوقوف شبه عارٍ أمامنا لتصويره.
كان هذا من أصعب الدروس الإِلزاميّة، ولا سيّما لي، كان يصعب عليّ قبول أحدهم عارياً لرسمه؛ كما إن هذا الرسم من أصعب ما يكون، كما اختبرت ذلك بنفسي.
أصعب من رسم طاولة، أو باقة ورد، أو وجه ساكن... ففيه تفاصيل كثيرة، ولا سيّما للجسم، وهي صعبة الرسم في كلّ واحدة منها، فكيف إذا طلب الأستاذ من العاري الجلوس على "الصوفا" في الصفّ، أو الإتّكاء عليها، أو غيرها من وضعيّات الجسم الواقف او المستلقي؟.
ما كان لا يعرفه والدي ولا الشيخ، هو أنّني كنت أهوى الرسم، وأكثرُ من التصوير: بضربات القلم الرصاص القليلة أستطيع أن أستحضر شخصاً، أن أجمّده كَما هو...
هذا لا يوفّره شعر المتنبّي ولا نثر الجاحظ، ما شجّعني على الرسم هو ما قرأته في دراستي الثانويّة عن مصعب بن الزبير في البصرة: كان متزوّجاً من سيّدة جميلة للغاية، عائشة بنت طلحة، فكان أن دعا أحد الشعراء البصريّين المشهورين، وهو الشعبيّ، وأدخله - كما قرأت في مقطع مأخوذ من "كتاب الأغاني" - إلى حجَلتِها، فوجَدها سافرة الوجه.
ارتبك الشعبيّ لمرآها، عدا أنّه كان قد سمع الكثير عن جمالها من دون أن يراها، طلب زوجها منه الجلوس، ثمّ طلب له شراباً، ولما أنهى شرابه، شكره الزوج لزيارته، ورافقه إلى باب الخروج، لكنّ الشِعبيّ توقّف قبل عتبة الباب الخارجيّ، وسأل الزوج: لمَ أتيت بي؟ فأجابه: لكي تحدّث بما رأيت...
منذ ذلك اليوم، وجدت جميلاً ومفيداً أن أحدّث، بل أن أرسم ما أرى.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد