-
/ عربي / USD
ها أنذا يا شيخي العزيز، أنزل عن شجرتي العالية، شجرة غروري واعتدادي، شجرة مكابرتي وعِنادي، لأفعل أبسط ما طلبته منّي وتمنّيته عليّ؛ أن أكتب قصّتي من الألف إلى الياء دون تبجّج أو ادّعاء، حتّى أتحرّر من ألمِي ومن سَقمِي، وحتّى أُلقي بكلّ ما حدث خلف ظهري.
ها أنذا أكتبها لنفسي بلا تكلّف أو تصنّع، وبلا تخوّف من رأي الأنداد والمجايلين، فأنا لا أطمح لأكثر من استعادة طمأنينة نفسي وسكينتها، بعد كلّ ما حدث، ورغم كلّ ما أجهد للتظاهر به أمام الآخرين، وآه ثمّ آه من الآخرين؛ من الّذين نضحك لأجلهم، ونتأنّق لأجلهم، ونتذاكى لأجلهم، وندّعي السعادة والمرح لأجلهم!.
ليتني يا شيخي العزيز أعرف مكانك، حتّى أسعى إليك، حيّاً كنت أم ميّتاً؛ فمثلك لا يموت حتّى لو مات، وقلبي يحدّثني بذلك؛ أنت حيّ بروحك حتّى لو بَلي جسدك، وحيّ بأفكارك حتّى لو أكل الدود جُثمانك.
وكم كنت سأسعد لو أنّني قرأت عليك ما كتبت، سواء كنْتَ فوق الأرض أم تحتها؛ كنتُ سأزيح حقاً أكواماً من الحجارة الّتي تراكمت فوق صدري، عاماً بعد عامٍ.
ولكن هيهات لي أن أحظى بكل هذه الراحة بعد أن آثرتَ الغياب، وتركتني معلّقاً بين السماء والأرض، وبين نفسي ونفسي، فكأنّني الشيء وضدّه، والنقيض ونقيضه، وكأنّني "الّذي اجتلب المنيّة طرفُه... فمن المطالبُ والقتيلُ القاتلُ"؟!.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد