شهدت بغداد أوج ازدهار للحركة العلميّة في القرن الثالث الهجري، عندما خطفت الصدارة في هذا الجانب من مدرسة الكوفة، حيث شهدت تطوّراً كبيراً في شتّى العلوم والميادين، ويرجع سبب ذلك إلى هجرة عددٍ كبيرٍ من العلماء والأدباء والمفكّرين الى بغداد دون غيرها من المراكز العلمية،  وأيضاً بسبب الاهتمام  بالترجمةِ وانتشارها على نطاقٍ واسع، إضافةً لما سبق فقد شهد هذا القرن توسّعاً في التعليم بشكلٍ عام، حيث تم إنشاء العديد من المدارس والمؤسّسات التي تُعنى بالثقافة، وما لبثت بوصلة العلماء تتجه الى مدينة أخرى هي النجف الاشرف بعد ذلك بقرنين بسبب الفتن الطائفية وتشرذم مراكز القوى السياسية، التي عملت على تأسيس مراكزها العلمية الخاصة، من خلال ترغيب العلماء للرحلة الى الامصار المختلفة، وكانت مدينة الحلة  المزيدية أحدى تلك المراكز التي شهدت نهضة علمية قل نظيرها من القرن السادس الهجري وحتى القرن العاشر، وقد تخرج من أنديتها ومعاهدها العلمية مئات الفقهاء والمجتهدين في مختلف صنوف المعرفة،  وفي هذا الكتاب بياناً للعلوم التي لم تحظى بالقدر الكافي من الاهتمام من لدن دارسي تراث مدرسة الحلة والتي كانت محل اشتغال علمائها وهما علمي (الفلسفة والتصوف)، وقد أختارت الدراسة أحد أقطاب هذه المدرسة الاصيلة هو الشيخ أحمد بن فهد الاسدي الحلي، الذي ترك آثارا علمية نادرة في التصوف والفلسفة وعلم الكلام،  أصل من خلالها مبادئ تلك العلوم،  وبسط مفاهيمها، حتى باتت محل اشتغال عدد كبير من العلماء،  بعد أن كانت في طي النسيان ولخمول.