-
/ عربي / USD
عندما كنت في العشرين من عمري، عملت كمساعد تحت التدريب لدى نجار كبير ماهر في فيينا يُدعى أدالبيرت بوش، من عام 1922 حتى عام 1924، بعد فترة ليست بالطويلة عقب الحرب العالمية الأولى.
كان يشبه جورج كليمنصو تماماً، لكنه كان رجلاً دمثاً ولطيفاً للغاية، بعد أن اكتسبت ثقته، كان في كثير من الأحيان، عندما نكون وحدنا في ورشته، يغدق عليّ من فوائد مخزونه الذي لا ينضب من المعرفة.
أخبرني ذات مرة أنه عمل لسنوات عديدة على نماذج مختلفة لآلة الحركة الدائمة، مُضيفاً بشيء من التفكر: "يقولون إنه لا يمكنك صنعها؛ ولكن بمجرد أن يحدث ذلك سوف يتحدثون بشكل مختلف!" كانت إحدى الممارسات المفضلة لديه هي أن يطرح سؤالاً تاريخياً عليّ ثم يجيب عليه هو بنفسه عندما يتبين أنني لا أعرف الإجابة (رغم أنني، تلميذه، كنت طالباً جامعياً، وهي الحقيقة التي كان يفتخر بها بشدة).
كان يسألني أسئلة من قبيل "وهل تعلم من الذي اخترع الأحذية ذات السيقان الطويلة؟ لا تعرف؟ كان والنشتين، دوق فريدلاند، خلال حرب الثلاثين عاماً".
وبعد سؤال أو اثنين أكثر صعوبة، يطرحهما ويجيب عليهما بنفسه بانتصار، يقول معلمي بفخر متواضع: "الآن، يمكنك أن تسألني ما تريد؛ فأنا أعرف كل شيء".
أعتقد أنني تعلمت عن نظرية المعرفة من معلمي العزيز ذي المعرفة الشاملة أدالبيرت بوش أكثر من أي معلم آخر، إذ لم يدفعني أحدٌ أكثر منه لأكون تلميذاً لسقراط، لأن معلمي هو الذي علمني ليس فقط مدى ضآلة معرفتي ولكن أيضاً أن أي حكمة قد أطمح إليها لا تكمن سوى في إدراكي التام للانهائية جهلي.
كانت هذه الأفكار وغيرها من التي تنتمي إلى مجال نظرية المعرفة [الابستمولوجيا] تشغل ذهني بينما كنت أعمل على أحد المكاتب بالورشة، كانت لدينا في ذلك الوقت طلبية كبيرة لثلاثين مكتباً من خشب الماهوجني مع العديد من الأدراج بها.
وأخشى أن جودة بعض هذه المكاتب، وخاصة لمعانها السطحي، قد تأثرت بشدة بسبب انشغالي بنظرية المعرفة، وقد أوحي ذلك إلى معلمي وجعلني أدرك أنا أيضاً أنني كنت جاهلاً للغاية وعُرضة للخطأ الكثير في هذا النوع من العمل.
لذلك قررت أنه عند إتمام فترة تدريبي المهني في تشرين الأول 1924، يجب عليّ أن أبحث عن شيء أسهل من صناعة مكاتب من خشب الماهوجني.
فانخرطتُ لمدة عام في العمل الإجتماعي مع الأطفال اليتامى والمهملين، وهو الأمر الذي قمت به من قبل ووجدته صعباً للغاية، ثم بعد خمس سنوات أخرى قضيتها بشكل أساسي في الدراسة والكتابة؛ تزوجت ونَعِمتُ بالإستقرار بعملي كمدرّس في المدرسة؛ كان هذا في عام 1930.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد