-
/ عربي / USD
إن أطروحتي العامة في هذا الكتاب هي أن اللاهوت السياسي لا يدور حول مشكلة الدين في المجتمعات الحديثة بقدر ما هو إشكالية في السلطة ــ وكما سنرى ليست إشكالية السلطة متجسدة في مفهوم السيادة فحسب وإنما في الأشكال الحديثة من الحكم والاقتصاد والتقنية التي انبثقت مع ظهور الدولة الحديثة. فالدين في شكل غيابه في المجتمعات الحديثة يخلق مساحة من التعالي تظهر فيها أشكال جديدة من السلطة وتتكاثر. وهذه المساحة التي خلفها غيابه عن الفضاء السياسي العام هي التي تسعى أشكال السلطة الحديثة لملئها وإعادة احتلال مواقع التجاوز منها على وجه التحديد. وكوننا نشهد في الآونة الأخيرة "عودة" الدين إلى المجال العام لهو دليلٌ على انهيارٍ أو تناقضٍ في النظام الرمزي في المجتمع ــ وهو تناقض تحاول السلطة حله أو التستر عليه باستحواذها على التجاوز المخيالي الذي يوفره الدين. وهذا لا يعني أن السلطة لا تستدعي الأيديولوجية الدينية في بعض الأحيان بشكل سافر فهي دائمًا ما تفعل ذلك. لكن اللاهوت السياسي يحيل إلى طريقة حاذقة تملأ بها السلطة الفراغ الذي خلفه الدين، وبذلك تستأثر لنفسها وبناها وخطاباتها المشرعنة وأنظمتها عن الحقيقة البعد المتعالي والمتجاوز للدين. ولذلك علينا فهم السلطة باعتبارها شكلًا من التعالي والتجاوز، أو قل شكل التعالي والتجاوز في المجتمعات الحديثة. فبدل أن يكون الدين سلطةً أصبحت السلطة دينًا. وإن كان
ذلك كذلك، فإننا لن نحل مأزق اللاهوت السياسي ــ العروة التي يبدو ألا انفصام لها بين اللاهوت والسياسة ــ حتى نعثر على طرق إزاحة أشكال السلطة التي تحكم مجتمعاتنا الحديثة وتدعونا دائما إلى الطاعة والفداء، وأن نهرب منها ونتجاوزها
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد