إن للمكاييل والأوزان دور حضاري مهم، فإنها ذات صلة لجميع الأفراد، من مختلف الأعمار والثقافات، كما أنه يكاد لا يخلو التعامل في المجتمع من الاستعانة بها، سواء في ذلك المنتجون والمستهلكون، أو الباعة والمشترون. وربما كانت الحاجة إلى معرفتها بصورة صحيحة وواضحة في أمور الزراعة والصناعة والتجارة والصيرفة النقل وغير ذلك، أمراً في غاية الأهمية. وقد ظهرت الحاجة الماسة لمعرفة المكاييل والأوزان العربية الإسلامية بوحدات القياس المعمول بها في الوقت الحاضر للطول والمساحة والحجم وهي المتر وأجزاؤه ومضاعفاته، وللوزن وهي الغرام وأجزاؤه ومضاعفاته، واستوجب ذلك الرجوع إلى التعريف الأصلي للمقاييس السائدة في البلاد العربية منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الوقت الحاضر. وحيث أن الذراع هي الأساس في الأطوال، والدرهم الأساس في الأوزان، وجب بيان مقاديرها بدقة. وبما أن الشعير الممتلئ هو المرجع في تعيين طول الذراع وكذلك في تعيين وزن المثقال والدرهم، فقد قام الدكتور محمود الجليلي بقياس عرض ووزن عدد كبير من حبات الشعير التي تنطبق عليها الشروط الشرعية متوصلاً إلى معرفة طول الذراع الشرعي الذي يتألف من 24 إصبعاً ومقداره 48,115 سنتمتراً، وكذلك المثقال الشرعي ووزنه 4,221 غراماً. وتمت له مقارنة هذه النتائج مع ما ورد في المؤلفات الخاصة بالمكاييل والأوزان، وكذلك الكتب الفقهية لعلاقة ذلك بالزكاة والأحكام الشرعية وكتب الحضارة واللغة التي ذكرت ذلك فتأيدت له صحة هذه القيم.
إلى جانب ذلك فإن المكاييل والأوزان المتشابهة بالأسماء أو المقادير التي استعملتها أقوام متباينة في بلاد متعددة أو في عصور مختلفة، تدل على التشابك الحيوي بين الحضارات. ولقد خصص لها الدكتور الجليلي أقساماً في كتابه هذا وذلك في الفصول ذوات العلاقة بها، وتؤدي دراستها إلى استنتاجات مهمة فيما له صلته بالتطور الحضاري.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب إنما هو حصيلة تجارب الباحث العلمية وفحوصاته العملية ودراساته الميدانية والموقعية في موضوع المكاييل والأوزان والنقود العربية، وهذا أضفى أهمية كبيرة على مادة كتابه هذا، حيث رأى أن الاعتماد على المراجع فقط لا يؤدي عادة إلى نتائج مهمة.