-
/ عربي / USD
يؤلف التراث الفقهي قسماً كبيراً في التراث الثقافي بالغرب الإسلامي، ويشغل حيّزاً مهماً في المكتبة المغربية. وإن كثرة هذا التراث، وتداوله الشائع، وانتشاره الواسع، لدليل على عناية الأندلسيين والمغاربة بالفقه، واهتمامهم الخاص به، وتعكس هذه العناية نزعة علمية، وسمة واقعية، هما في الغالب، من مميزات الذهنية الأندلسية المغربية، وذلك لأن الفقه، سواء في العبادات أو المعاملات، كان شديد الارتباط بوقائع الناس الجارية ومشكلاتهم الناشئة، وأقضيتهم الطارئة، وباختصار كان عليه مدار حياتهم اليومية.
وقد نهض الأندلسيون والمغاربة بالفقه المالكي منذ أن اختاروه مذهباً رسمياً لهم، حتى أن جلّ ما ألف في فقه هذا المذهب هو من وضعهم، من مدونة سحنون وما تلاها إلى يومنا هذا. وكانت هذه المدونة على كبرها وكثرة مسائلها من محفوظات فقهاء الأندلس والمغرب. وقد كثرت مؤلفات الفقه المالكي في الأندلس والمغرب كثرة بلغت حدّ التراكم، ما بين مطولات ومختصرات، وبعض هذه المؤلفات تشبه أن تكون موسوعات فقهية، مثل المعيار المعرب للونشريسي والبيان والتحيل لابن رشد.
هذا وثمة فروع في الفقه برز الأندلسيون والمغاربة فيها، وكتبوا عشرات أو مئات المؤلفات فيها مثل كتب الشروط والوثائق وكتب الحسبة والسوق. والنوازل التي تدعها كتبها أيضاً بكتب "الفتاوى" وكتب "الأحكام" وكتب "المسائل". وإلى هذا النوع ينتمي كتاب القاضي عياض السبتي "مذاهب الحكام في نوازل الأحكام" الذي هو بين يدي القارئ والذي أصله بطائق أو جذاذات للقاضي عاض، جمعها بعد وفاته ولده القاضي أو عبد الله محمد.
وتعتبر هذه النوازل مع نوازل القاضي عبد الله دبوس ومسائل ابن زكون أقدم ما ألفه المغاربة في موضوع النوازل، وهي إحدى المجموعات المشهورة في النوازل التي ترجع إلى عهد المرابطين. وتتميز نوازل القاضي عياض بطابعها المزدوج أي أنها نوازل مغربية أندلسية، وهي تشتمل على نوازل في خمسين باباً من أبواب الفقه مرتبة كما يلي: الأقضية، الشهادات، الدعاوي والأيمان، الحدود، الجنايات، نفي الضرر، المياه، الغائب، المريض، السفه، المديان، المفلس، السمسار، الغضب، الاستحقاق، الوصايا، الأحباس، الصدقات، الهبات، النِحْلَةْ، المتعة، العري، الإسكان، النفقة، الوديعة، الرهون، الحمالة، الوكات، المزارعة، الشركة، القسمة، الشفقة، الصلح، العتق، المدبر، أمهات الأولاد، النكاح، العدّة، الطلاق، الإيمان بالطلاق، الخلع، الجنائز، كتاب الصلاة. وجميع الأبواب المذكورة كما نرى، باستثناء الباب الأخير، هي في فقه المعاملات والأحوال الشخصية.
وتتميز هذه النوازل التي جمعها ولد القاضي عياض بأنها تشتمل على أجوبة تمثل الفتوى في الغرب الإسلامي على عهد عياض، ويجد فيها القارئ أسماء عدد من المفتين المعروفين في الجناح الغربي من العالم الإسلامي. وتصدر هذه النوازل في هذه الطبعة محققة حيث بذل المحقق المستطاع في التصويب والتصحيح بالاعتماد على نسخة وحيدة متأخرة يكثر فيها الخطأ والتحريف والتصحيف، كما قام بوضع التعليقات المفيدة والحواشي الضرورية متوخياً الإيجاز والاختصار.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد