يمثل هذا الكتاب ثمرة تعاون بين ثمانية جامعيين ورسامة خرائط، جميعهم من الباحثين المختصين في دراسة المغرب العربي. ولم يقتصر هذا التعاون على تصنيف الفصول كما يحصل غالباً في المؤلفات الجماعية، بل تجسم في صياغة مشتركة لتخطيط الكتاب، وفي تناول محاوره الكبرى بالنقاش وتبادل...

يمثل هذا الكتاب ثمرة تعاون بين ثمانية جامعيين ورسامة خرائط، جميعهم من الباحثين المختصين في دراسة المغرب العربي. ولم يقتصر هذا التعاون على تصنيف الفصول كما يحصل غالباً في المؤلفات الجماعية، بل تجسم في صياغة مشتركة لتخطيط الكتاب، وفي تناول محاوره الكبرى بالنقاش وتبادل متواصل للمعلومات بين المؤلفين وكذلك في تنسيق وثيق على مستوى النص كما على مستوى الإيضاح البياني والفوتوغرافي.
فهذا الكتاب يبتغي سد ثغرة، غذ لم تصدر حول المغرب العربي منذ عشرين سنة، أي دراسة جغرافية شاملة، ولم ينجز هذا المؤلف بفعل الحنين إلى سنوات العمل المثيرة للحماس المقضاة في المغرب العربي وإنما حرصاً على تقديم المعلومة بطريقة أفضل وبصفة علمية إلى كل الذين ولعوا بهذه الأقطار الثلاثة من المغرب العربي، أو كذلك إلى المهتمين بها.
ولئن جمع المؤلفون إختصاصات جد متنوعة حسب المحاور والأقطار، فإنهم رغم ذلك لم يروموا كتابة دراسة تأليفية جغرافية مستفيضة للمغرب العربي اليوم، بل وجهوا هذا الكتاب، اعتماداً على النص والخرائط والصور، نحو محور أساسي هو محور التحولات، ففي أواسط الثمانينات، أي بعد مضي ما بين عشرين وثلاثين سنة عن استقلال الأقطار الثلاثة، حري بنا أن نبرز التغيرات العميقة التي لحقت المغرب العربي، كما وجب أيضاً أن يحاول المرء –ونحن على أبواب القرن الواحد والعشرين- أن يسبر على مدى قصير المستقبل الذي كان المغرب العربي متجهاً إليه.
فهكذا احتفظ بثمانية محاور، درست وعمقت في سبعة أبواب، تتتابع منطقياً من الوسط الطبيعي إلى الأدفاق والمبادلات وشبكات البشر والمنتوجات، ولقد درست هذه المحاور في شكل فصول وقعها كل مؤلف شخصياً. ولن يجد القارئ في هذا الكتاب تحليل التضاريس أو المناخ في حد ذاتهما، ولا كذلك دراسة خصوصية للمنتوجات الفلاحية والمنجمية والصناعية أو تحليلاً للسياحة أو النقل. فينبغي أن يؤخذ تقديم أصناف من الأقاليم في نهاية الكتاب على أنه تفكير منهجي حول الأقلمة وليس تجزئة آلية إلى أقطار وأقاليم على غرار ما كانت تنتهجه الجغرافيا التقليدية. وعلى كل تتوفر في هذا الصدد مادة كافية لتأليف كتاب آخر.
وعلى عكس ذلك تعد الرؤية مغاربية من أولها إلى آخرها. ولأول مرة ربما ومع الحرص على إبراز الخصوصيات الوطنية الجلية، يقدم هؤلاء الجغرافيون عن المغرب العربي عرضاً إجمالياً وتأليفياً ومقارناً، يسعى إلى إبراز أوجه الشبه والمشاكل المشتركة والآثار المتماثلة أحياناً، لسياسات تتنوع من بلد إلى آخر، فهذه الأقطار تدرس بقدر الإمكان ككيان يلحم أجزاءه ببعضها، كل من التاريخ والمجتمع والحضارة والديانة واللغة، حتى وإن تباينت الأنظمة السياسية، وفي نفس السياق، لئن بان على بعض الخرائط رسم حدود يعد بعض أجزائها محل جدل، فإن ذلك يعود قبل كل شيء إلى ضرورة اعتبار الواقع الإداري الحالي وليس لإثبات هذا الاختيار أو ذاك، إذ التاريخ وحده هو الذي يقيم الاختيارات.
فهكذا حاول المؤلفون رسم لمحة موضوعية قدر الإمكان، وإن كانت جزئية فعلاً، عن التحولات والنزعات التي تراءت لهم داخل المجالات ولدى البشر في المغرب العربي المعاصر وذلك دون الانزلاق إلى التفاؤل الساذج والمتبرئ غالباً، والذي يحدو المعاونين القدامى في البلاد المغاربية ودون الذهاب كذلك إلى النقد المتكبر الساخر الذي يسم وعاظ البلدان المصنعة.