يعتبر "سبك المقال لفك العقال"، للمؤرخ التونسي عبد الواحد ابن الطواح مصدراً بالغ الأهمية في الكشف عن عدد من التراجم الأندلسي والتونسية، و قليل من تراجم الجزائر والمغرب الأقصى، فضلاً عما ينفرد به من التعريف بالمؤسسات المنوعة المتناثرة بتونس وما إليها، ونتبين من قراءته أنه...

يعتبر "سبك المقال لفك العقال"، للمؤرخ التونسي عبد الواحد ابن الطواح مصدراً بالغ الأهمية في الكشف عن عدد من التراجم الأندلسي والتونسية، و قليل من تراجم الجزائر والمغرب الأقصى، فضلاً عما ينفرد به من التعريف بالمؤسسات المنوعة المتناثرة بتونس وما إليها، ونتبين من قراءته أنه يمثل المصدر الباقي من مؤلفات التراجم التونسية في ا لقرن الهجري السابع. كما نستخلص من عروض الكتاب معلومات قيمة عن ماضي تونس، وتتنوع هذه المعلومات، فتتناول معالم تربوية روحية وغيرها، وأخرى حضارية، إلى تراجم تتناول ثلاثين اسماً، وتقدم إضافات تخلو منها المصادر المتداولة، فضلاً عن جملة نصوص لم تكن معروفة من قبل، ولا تنسى المؤلف المغربيين الجارين، فيفيض من عطائه على كل من الجزائر والمغرب الأقصى.
وهكذا جاء سبل المقال مرآة صافية انعكست على صفحتها بعض ملامح الثقافة في عصر المؤلف وفيما تقدمه من صور جملة من حملتها من العلماء البلدين في تونس ومن الطارئين عليها من المغربين الأدنى والأوسط، ومن أعلام الأندلس النازحين من فردوسهم المهدد بالأخطار في ذلك الزمان، فضلاً عما حفل به من النصوص الأدبية الطريفة التي لا توجد في غيره.وأخبار الصوفية التي تخلو من غرابة، وأقوالهم المتصفة بالحكمة والصفاء.
إن مخطوط "سلك المقال لفك العقال" يندرج في التصنيف العلمي المنهجي عن دائرة كتب البرامج والمشيخات من جهة أنه ذكر في سياق تراجمه شيوخه، ومن تلقى عنهم العلم من أعلام تونس ومن الطارئين عليها، ويسلك في دائرة كتب التراجم من جهة أنه ترجم فيه شخصيات تونسية ومغاربية وأندلسية لم يكتب له اللقاء بها، والأخذ عنها.
ومن الملاحظ في تدوين هذا المخطوط أن مؤلفه قد التزم فيه منهجية دقيقة بناها على العديد من العناصر الإيجابية في كتابه فن التأليف في كاب المشيخات والتراجم من أهمها: أولاً: الجدة والأصالة: بذكر تراجم يتفرد بها المخطوط عن غيره،ـ وبذلك أضاف أسماء وشخصيات لها إسهاماتها في المحيط الفكري إبان القرنين السابع والثامن الهجريين، كاد الزمن أن يلغها في مطاوي النسيان، وهذه التراجم موزعة بين تراجم أصلية رئيسة، وأخرى تراجم فرعية عرضية. كما تناول المؤلف شخصيات معروفة في كتب التراجم والمشيخات بمنظور لا يخلو من الإضافة والتميز والدعم.
ثانياً: التوثيق: فقد حرص ابن الطواح في هذا المخطوط على توثيق ما أثبت من معلومات وحقائق باللجوء إلى الطرائق الدقيقة والمردودة كاعتماد الصلة الشخصية المباشرة في نقل الأخبار عمن ترجم لهم، أو الأخذ عن الثقات وشيوخه وأصدقائه العدول، أو الاستمداد من المصادر والمظان المعتمدة.
وبالنظر لأهمية هذا الكتاب فقد اعتنى بتحقيق متنه حيث تم الاهتمام بما يلي: أولاً: المقابلة بين الأصل المخطوط، والنسخة المصورة بالخزانة العامة التي تم تصويرها. ثانياً: فصل كل ترجمة من تراجم المخطوط عن الأخرى بعنوان أولي مستقل. ثالثاً: تخريج الشواهد النصية الواردة فيه والمتمثلة في الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، والأشعار والأمثال، والتعريف الموجز بالأعلام والمواضع، وأسماء التصانيف، مع شرح غريب اللغة وذكر أوزان الأشعار. رابعاً: التمهيد بدراسة تحليلية مركزة، غير مفصلة، مبنية على الحقائق المذكورة في المخطط، وفي الكتب والمراجع المتصلة بمحاور الدراسة. خامساً: وضع الفهارس التفصيلية والكشافات للكتاب: الآيات القرآنية، الأحاديث النبوية والأشعار والأمثال والأعلام والأماكن، والكتب التآليف.