هذا الكتاب في الخط والكتابة، والمراد بالكتابة هنا الخط وطريقة رسم الحروف وما يتعلق بذلك من وسائل وأدوات، وليس المراد الكتابة الديوانية والإنشائية وأساليب الكتاب، ويقصد بالكتابة أيضاً، ما جاء في دراسة خط الرسائل، رسائل النبي صلى الله عليه وسلم على الرَّق وما وجد من نقوش على الحجر، وقد عُرف الخطاطون بالكُتّاب، والخط بالكتابة، وبشكل عام يقوم هذا البحث على مقدمة وستة فصول، درس الفصل الأول أصل الخط العربي، وعرض للنظريات التي تناولت أصل الخط عند المؤلفين القدامى، والافتراضات النظرية التي قاموا بها، وعند الباحثين المحدثين الذين قامت أبحاثهم ودراساتهم على دراسة الخط وتطوره في النقوش النبطية العربية في العصر الجاهلي والعصر الأموي، وقد خلصت إلى أن أصل الخط العربي مشتق من الخط النبطي، وقد تعرض للتعريف بالأنباط وصلتهم بعرب الحجاز، وتأثر العرب بالخط النبطي وحاجتهم إليه في الكتاب، لأنهم كانوا أهل تجارة، وكان لا بد في كل هذه الفصول من الاستعانة بالنقوش والخطوط لتكون دليلاً على الفكرة وتوضيحاً للنظريات.
وتناول الفصل الثاني الخط في صدر الإسلام، وتعرض للنقوش التي اكتشفت في "زبد" و"أسيس" و"حران" و"أم الجمال"، وأوجز صفات هذه النقوش وطبيعة خطها، وتناول كذلك دراسة ما كتب في الرقوق، وأبرز ما وصل في ذلك رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الأمم من عرب وعجم، وتناولت الدراسة كذلك الكتابات الحجرية في صدر الإسلام، أما في عصر الخلفاء الراشدين فقد وقفت عند البرديات والنقوش الحجرية والمسكوكات، وأوضحت صفات الخط فيها وتطوره في هذه الفترة، ووقفت عند خطوط المصاحف التي كتبها الصحابة مع وصف هذه الخطوط والتعريف بها.
أما الفصل الثالث فقد تناول الخط في العصر الأموي، فتحدث عن صفات الخط في العصر الأموي، وأنواع الأقلام التي ظهرت في هذا العصر وأبرز الخطاطين. وقد ظهرت الحاجة في هذا العصر إلى ضبط ألفاظ القرآن الكريم بما وقع في قراءته وفي الرسائل الديوانية من تصحيف وتحريف، ولذلك تم التعرض لقضية الشكل والإعجام وتم تبيان كيف وضعت والرجال الذين أسهموا في هذا الجهد والخطوات التي مر بها كل من الشكل والإعجام.
ووقف الفصل الرابع وقفة طويلة عند الخط في العصر العباسي، الذي كثر فيه الكتّاب، وتطور الخط، أصبحت للخطاطين شجرات، فعرض لها وعرف بأسماء الخطوط القديمة وسبب تسمية كل خط سواء ما ارتبط منه بأسماء المدن أو بأسماء الصفات والأغراض، وبين وظيفة كل خط من هذه الخطوط. أما الخطوط العباسية المحدثة فقد وصفها وبين نشأتها وأهم كتابها، وصفات كل خط، وأهم هذه الخطوط التي عرض لها بالدرس والوصف: الخط الكوفي، والثلث، والنسخ، والمغربي ومعه الأندلسي أو القرطبي، وخط الإجازة (التوقيع)، والديواني، والطغراء، والفارسي (أو التعليق)، والرقعة، والريحاني. وعرف بأسماء الخطوط القديمة والحديثة، وقسمها إلى خطوط ما قبل الإسلام، والخطوط التي اخترعت بعد الإسلام، وخطوط العصر الحديث، ثم بيّن اللغات التي تكتب بالخط العربي، غير اللغة العربة، وهي: التركية، والهندية، والفارسية، والأفريقية.
وخصص الفصل الخامس للتعريف بحياة وخط وأدب الخطاطين المبدعين في العصر العباسي، وهم: ابن مقلة، وابن البواب، وياقوت المستعصمي، وقد أفضى في دراسة حياة وفن كل من هؤلاء الخطاطين الأعلام الذين كان لهم أثر كبير في ازدهار الخط وتطوره في العصر العباسي.
وكان الفصل السادس، وهو أطول الفصول، قد تناول أدوات الكتابة، منذ عرف الإنسان الكتابة، فكتب على الطين والحجر والعُسُب والكرانيف والأقتاب والعظام، ثم تطور فكتب على المهارق والقباطي، والجلود، وكان للرقوق دور كبير في تطور الكتابة وبداية التأليف، ولذلك تمّ التوقف عند الرَّق وصناعته وكتابة المصاحف فيه، وزاحمه في ذلك البردي الذي صنعت منه القراطيس التي دخلت الحياة الإسلامية وأسهمت في دفع حركة التأليف، لتيسر القرطاس وخفته ورخص ثمنه، وقد بقي القرطاس في كثير من البلاد الإسلامية منتشراً حتى بعد صناعة الورق وانتشاره، وقد وقف وقفة متأنية عند صناعة الورق ودوره في الحياة العلمية، وعرّف بأنواعه وأماكن صناعته وأحجامه، وآداب صناعته وكل ما يتعلق بذلك.