يتضمن هذا الكتاب مجموعة من النصوص الهامة في المتن الرشدي وتنشر لأول مرة في هذا الكتاب من تحقيق السيد "جمال الدين العلوي" الذي إستطاع بفضل إحاطته بالمتن الرشدي، وعلمه بمسالك الفلسفة الإسلامية أن يقدم لعشاق الفلسفة الرشدية والباجوية عمل يقول بوحدة الفكر الرشدي ولا يقبل بالفصل بين أعماله المبتكرة وأعماله الشارحة والمعلقة.
كما أن تحقيقاته وكذا أبحاثه المختلفة دعمت بشكل قوي النظرة التي ترى في ابن رشد رجلاً متعدداً متصطوراً عبر تاريخ حافل بالمؤثرات والتحولات الطفيفة أحياناً والجذرية أحياناً أخرى.
وهكذا وبعد أن وقف "جمال الدين العلوي" على حصيلة ما أنجز من تحقيقات المتن الرشدي وما لم ينجز، تقدم بحميّة لملء الثغرة التي يعاني منها، فأخرج في بداية الأمر تقسيم السماع الطبيعي، ثم مقالات في المنطق والعلم الطبيعي، وبعد ذلك جرب ميداناً جديداً يتمثّل في نقل النص العربي لابن رشد من حرفه العبري إلى حرفه العربي، فأخرج تلخيص كتاب "السماء والعالم" عن مخطوط مكتوب بحروف عربية وآخر بالحروف العبرية، ثم أخرج تلخيصين طبيعين من مخطوطين مكتوبين بالحرف العبري، وهما تلخيص كتاب "الكون والفساد"، وتلخيص كتاب "الآثار العُلوية".
من بين التلاخيص الطبيعية الثلاثة الذي قُبض له النشر في حياته تلخيص كتاب "السماء والعالم"، أما تلخيص كتاب "الآثار العُلوية" وتلخيص كتاب "الكون والفساد" فقد أخرجهما من حرفهما العبري وحققهما دون أن يُعنى بنشرهما، على أصدقائه وزملائه، على نشر كل التحقيقات التي تركها جاهزة تقريباً، وحتى يتمّكن قراء العربية من الإطلاع على جانب هام من العمل العلمي لابن رشد الذي ضاع في حرفه العلمي.
وكان منهج تحقيقه لتلخيص كتاب "الآثار العلوية" الذي بين يدي القارئ يقوم بالأساس على تقديم نص عربي مقروء غير مشوب بالأخطاء اللغوية أو الهنّات الأسلوبية، ممّا جعله يمزج بين مخطوطتي باريس وأُكسفورد، ويتدخّل من حين لآخر لإصلاح بعض الشوائب العالقة بهما، كما اتسم منهجه في تحقيقه لهذا الكتاب بأمرين إضافيين هامين أولهما: الحرص على معاينة وقياس مقدار التطوّر الذي طرأ على فكر ابن رشد بين جوامع وتلخيص هذا الكتاب، مع مقارنة بين الفينة والأخرى بما قاله في أعماله المنطقية والطبيعية والفلسفية الأخرى.
أما الأمر الثاني فهو تعقّب مواضع إتفاق ابن رشد وإختلافه مع أرسطو أو إضافته لأفكار ومقاربات لم تكن واردة لدى المعلم الأول، ومتابعة مدى إحترامه لترتيب المطالب كما وردت في كتاب هذا الأخير أو خروجه عنه.