يعتبر القاضي عياض أبرز شخصية علمية وأدبية عرفها المغرب في النصف الأول من القرن السادس الهجري. وقد شغف عياض في فترة باكرة من حياته بالعلم فأقبل على الدرس والتحصيل في عزم وهمة لا يعرفان فتوراً أو كللاً، وظل، مدى سنوات، يختلف إلى مجالس الشيوخ في سبتة، وهي يومئذ إحدى حواضر العلم...

يعتبر القاضي عياض أبرز شخصية علمية وأدبية عرفها المغرب في النصف الأول من القرن السادس الهجري. وقد شغف عياض في فترة باكرة من حياته بالعلم فأقبل على الدرس والتحصيل في عزم وهمة لا يعرفان فتوراً أو كللاً، وظل، مدى سنوات، يختلف إلى مجالس الشيوخ في سبتة، وهي يومئذ إحدى حواضر العلم التي يتألق بها الغرب الإسلامي. ثم رحل إلى الأندلس عدة رحل، تردد فيها على حلق العلماء في قرطبة، وإشبيلية، وغرناطة، ورمسية. وعلى أيدي هؤلاء وأولئك من أعلام الحديث، والفقه، واللغة، في العدوتين، أواخر القرن الخامس ومطالع القرن السادس. برع عياض في علوم القرآن، والحديث، والأصول، والفقه، والكلام، والنحو، واللغة والأدب، وأيام العرب وأنسابهم وتاريخهم فَعُدًّ من أهل التفنن في العلم، وهو تفنن تؤكده تصانيفه القيمة، فمنها طائفة تبلور تمكنه في الحديث وعلومه، وأخرى تعكس ثقافته الفقهية، وثالثة تكشف عن معرفته التاريخية، ورابعة تدل على براعته في اللغة، والأدب، والبلاغة، والنقد.
وقد ظفرت هذه التصانيف، على مرّ القرون والأعصار، باهتمام العلماء وعناية المتعلمين، يشرحها أولئك ويقرئونها في حلقاتهم، ويكب هؤلاء على استنساخها وتلخيصها ويجتهدون في درسها وفهمها. ومن ثم كان لها، على تنوعها، هذا الذكر الذي شرّق باسم مؤلفها وغرّب، وطار به كل مطار.
وكان لعياض، إلى هذه المكانة المرموقة التي ارتقاها بإسهاماته الجليلة في مجالي التأليف والتدريس، مواقف فكرية، واجتماعية، وسياسية، برهنت على التزامه بمبادئ دينه وقيمه وتفانيه في خدمة بلده، كما برهنت على استقامته، وتقواه، ورباطة جأشه.
ولقد كان في تنوع مجالات التأليف عند عياض من جهة، وفي تميز سيرته كقاض، ومفكر، وسياسي، من جهة ثانية، ما لفت إليه أنظار فئات من المؤلفين تتباين اهتماماتهم، فيها المحدث، والفقيه، والمؤرخ، والأديب، وغير هذا وذاك. ومن هنا استقطبت العناية بالقاضي عياض وتراثه وسيرته أصنافاً من العلماء والدارين، مغاربة ومشارقة، قدامى ومحدثين، كان ما تَمخَّضَ عنها حصيلة غنية بـ(المكتوب) عن عياض وتراثه، نقع فيها على مؤلفات أفرده بها أصحابها.
كما نقع على ترجمات، وإشارات، وأسانيد، ونصوص في كتب التراجم، ومعاجم الرجال، ومصنفات الحديث، والفقه، والأدب، والتاريخ، والمناقب، والفهارس، والمشيخات، والكنانيش، فضلاً عن جملة من الدراسات والبحوث التي أعدها أصحابها، حديثاً، في العربية وفي غيرها من اللغات، حول اهتمامات عياض ومنجزاته المتنوعة في أهم مجالات الثقافة الإسلامية المعروفة على عصره.
والكتاب الذي بين أيدينا يجمع هذه الحصيلة المكتوبة عن عياض وتراثه وهذا ما يؤلف ثبتاً ببليوغرافياً من شأنه أن يوفر على الباحثين في تراث القاضي عياض العلمي والأدبي، الوقت والجهد، ويسعف على إنجاز الدرس والبحث.