-
/ عربي / USD
يتضمن هذا الكتاب عدداً من البحوث في التراث اللغوي ساهمت في توضيح ملامحه وإجلاء بعض أسراره وإبراز الحيثيات التي وجهت مساره والأسس التي قام عليها صرحه، وأمر تراثنا اللغوي والنحوي منه خاصة لا يخلو من الغرابة، فهو ثري غزير المادة، وضعت فيه آلاف التصانيف منذ أن أصبحت العربية موضوع درس وتقنين إلى عصرنا هذا، وهذا من شأنه أن يبعث على الإعجاب والاعتزاز لها لما ينم عنه من عناية بالعربية فحسب بل كذلك وخاصة لما يدل عليه من مجهود ويترجم عنه من عمل فكري بالغ الأهمية، لكن هذا التراث لم يسلم منذ أقدم العصور من الانتقاد، فوقف منه أحياناً موقف الاستخفاف واعتبر أنه ليس ضرورياً لتحصل ملكة العربية أو بالأحرى أن التبحر فيه لا يضمن اكتساب الملكة المذكرة بل قد يكون عائقاً في سبيلها.
ولعل مثل هذه المواقف تبرره وجهة النظر التي ينظر منها إلى علوم اللسان، فإذا كانت الغاية منها تعليمية بحتة كان التوسع فيها والإلمام بمختلف جوانبها وتتبع أصولها وتفريعاتها والبحث تأويلاتها غير ضروري لاكتساب اللغة وملكة استعمالها، فمعرفة أهم القواعد كافية لذلك، إذا واكبتها الممارسة والتمرين على الاستعمال.
لكن لا يخفي أن مألوف القواعد والقوانين من كل علم وفن ليس إلا ملخص معارف واسعة من مبادئ عامة ومصادرات أساسية وتحليلات معمقة وتأويلات مختلفة: وقد تبدو القواعد والقوانين غريبة بل من قبيل الأحكام الاعتباطية التي لا تفي بواقع اللغة فرضها النحوي تعسفاً ووجب على المرء تطبيقها آلياً بدون أن يفقه حيثياتها، ذلك أنها بصيغها المقتضبة وخلوها من كل تعليل لا يجد فيها المرء ما يقيم به الدليل على وجاهتها ويقنع باللاوعي إلى وضعها على الصورة التي هي عليها، ولا مناص لمن يريد أن يقف من القواعد موقف المدرك لما تستند إليه من مبادئ ومصادرات لا موقف المطبق تطبيقاً آلياً من التوسع في المعارف النحوية ومعاشرة كتب التراث والبحث فيها عن مؤشرات التناسق بين المعطيات والأحكام.
هذا ما سعت البحوث التي يضمها هذا الكتاب لتبيانه حيث تناول كل واحد منها مفهوماً من المفاهيم النحوية الأساسية أو محوراً من محاوره الرئيسية أو قضية من قضاياه، حيث تم النظر في الوحدات التي يعتمدها النحوي في تحليل الخطاب وخاصة الكلمة والجملة لمعرفة مدى وجود وتصور واضح لهما في التراث ووعي بالمشاكل التي تعترض الباحث عندما يريد تحديد كل من هاتين الوحدتين تحديداً جامعاً مانعاً، كما تم إدراك بحثين في ظاهرة الإعراب التي شغلت النحاة وكانت في مقدمة اهتماماتهم وذلك لتبيان نهجهم في دراسته وتحديد دوره وتبريرهم له في آن واحد بالمعنى والعوامل. أما المجموعة الثالثة من هذه البحوث فتناولت قضيت التعليل ومكانته في التراث النحوي.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد