هذا المخطوط الذي نقدمه للقارئ يشتمل على تسع وعشرين صفحة ذات الحجم الكبير كتبت في أغلبها بخط مغربي واضح مزين في بعض فقراته باللون الأحمر، وكما هو منصوص عليه في الصفحة الأولى فإن هذا المخطوط قد نقله أحد النساخ عن نسخة أصلية لمؤلفه الحاج أحمد بن عبد الرحمن الشقراني الذي لا نعرف...
هذا المخطوط الذي نقدمه للقارئ يشتمل على تسع وعشرين صفحة ذات الحجم الكبير كتبت في أغلبها بخط مغربي واضح مزين في بعض فقراته باللون الأحمر، وكما هو منصوص عليه في الصفحة الأولى فإن هذا المخطوط قد نقله أحد النساخ عن نسخة أصلية لمؤلفه الحاج أحمد بن عبد الرحمن الشقراني الذي لا نعرف عنه شيئاً ذا أهمية. أما فيما يتعلق بتحديد تاريخ تأليفه فإن الناسخ لم يذكره رغم أنه كان حريصاً على ذكر اسم الكتاب ومؤلفه. أما من حيث مضمون المخطوط فقد تعرض الشقراني لأحداث متعددة وقضايا متفرقة منها ما عاصره، ومنها ما نقله عن غيره من المؤرخين. فيبدأ بالحديث عن ثورة بو عمامة وإن كان في الحقيقية لا يسميها ثورة ولا يعترف بالكفاح والنضال الذي خاضه هذا الثائر ضد الغزاة المحتلين لموقف خاص به. كما يرى بأن حركة بو عمامة عملاً كانت سبباً في زيادة نفوذ الفرنسيين وبسط أيديهم على مناطق أخرى بالجنوب الصحراوي الجزائري، وأن المواطنين قد عانوا من رد فعل المحتلين الذين انتقموا من الأهالي، وأصدروا قوانين جائرة في حقهم مستنتجاً من ذلك أن هذه الثورة كان ضررها أكثر من نفعها. وفي معرض حديثه عن ذلك يكثر من الاستطراد. ويتعرض لكثير من القضايا، فيحدثنا عن حقيقة ا لرؤيا في المنام، والفرق بين الرؤيا الصالحة وغيرها مستشهداً في ذلك ببعض الأحاديث النبوية الشريفة. هذا ويخلص في الأخير إلى أن بو عمامة لا حق له في زعامة أو سيادة ولن تصلح أمامه دون بيعة، ثم يؤكد على أن الوقوف في وجه القوة لا يجدي نفعاً ويستدل على ذلك بفشل بعض الانتفاضات وحركات التمرد التي قادها كل من الشريف الدرقاوي، والشيخ التجيني، ويوسف الخويدي، وكذلك عبد الرحمن الطوطني الدرقاوي وولد سيدي حمزة بن الشيخ، والغريب في الأمر هنا أن صاحب المخطوط يدعو صراحة إلى الاستسلام للأمر الواقع، وانتظار الفرج من الله القادر على تغيير الأحوال وتبديل الأوضاع ما دامت الأيام لا تدوم على حال واحدة، وينقله هذا الاستطراد إلى الحديث عن إرم. وبعدها إلى ذكر الفترة التي حكم فيها الأتراك الجزائر ويشير كذلك إلى تسلط الفرنسيين على البلاد فيما بعد. وهذا ومن المواضع الهامة التي يتحدث عنها الكاتب كفاح الأمير عبد القادر، فبعد أن نوع بهذه الشخصية العظيمة يذكر كيف تمت البيعة له وكيف تمكن من الوقوف في وجه الفرنسيين مشيراً إلى بعض المعارك التي خاضها الأمير ضد المحتلين، مثل المعركة التي وقعت في المكان المسمى المقيتلة والمعركة التي دارت رحاها بناحية سيق، واضطر الفرنسيون أثرها إلى التراجع إلى وهران، وما أعقب ذلك من تحركات الأمير من سيق إلى مستغانم، هذا ويرى المؤلف أن قرار الأمير بوقف الحرب كان عين الحكمة والصواب لأن الظروف الداخلية والخارجية قد اضطرته إلى ذلك. بعد هذا ينتقل المؤلف إلى ذكر بعض الكوارث الطبيعية التي وقعت بالناحية الوهرانية من مجاعات وأوبئة وفيضانات وما خلفته هذه الكوارث من نتائج مؤسفة كان لها أثرا العميق على السكان اقتصادياً واجتماعياً. وفي الفقرات التي تلي ذلك يستعرض أهم القبائل التي استقرت بأقاليم المغرب وتوطنت بلاد العرب. كما يذكر أهم المدن ببلاد المغرب نقلاً عن مصادر تاريخية معروفة كابن خلدون وأبي رأس الناصري وابن أبي زرع وغيرهم. وهذا ويخص مدينة وهران بعدة فقرات يتحدث فيها عن تأسيسها ويشير في ذلك إلى الأعمال التي قام بها يوسف بن تاشفين حاكم المرابطين وما عرف عنه من مآثر وبطولات أكسبته الذكر الحسن في كل البلاد الإسلامية، كما يحدثنا صاحب المخطوط عن دولة الموحدين وزعيمها المهدي بن تومرت ومؤسسها عبد المؤمن بن علي، بعد ذلك يعرج على ذكر الزيانيين وينقل صورة أخرى عن رجل عرف بتقواه واشتهر بكرامته وهو الشيخ محمد المغراوي المشهور بسيدي الهواري دفيق وهران، ثم يعود مرة أخرى للحديث عن وهران وما تعرضت له من غزو متكرر من طرف الإسبان وقد ذكر في أثناء ذلك بعض تحصيناتها مثل برج المرسى وبرج مرجاجو وبرج رأس العين والبرج الأحمر، ويتحدث أيضاً عن خيانة اليهود وتمكينهم الإسبان من احتلال وهران وكذلك عن الوسائل الدنيئة التي انتهجوها لفرض سيطرتهم على البلاد الجزائرية وما كانوا يقومون به من تقتيل وانتهاك حرمات مما أشاع الهلع والفزع بين القبائل، ويشيد المؤلف بفضل الأتراك في المساعدة على وضع حد لهذه الهجمات الصليبية. ومن وهران ينتقل إلى الحديث عن المغرب العربي وحدود كل من المغرب الأقصى والجزائر وتونس وعاصمة كل منها وأهم الأنهار التي توجد بكل قطر من بلاد المغرب. وإذا ما تجاوزنا المادة التاريخية التي يتضمنها المخطوط إلى النظر في ما يتصل باللغة والأسلوب، فالمخطوط يتميز خاصة بطريقة السرد التقليدية التي اتصف بها أسلوب كتاب النصف الأول من القرن الماضي. فهو ما يلمس فيه من سلاسة اللغة واستقامة الأسلوب في أغلب فقراته إلا أنه لا يخلو في بعض الأحيان من ضعف في اللغة وركاكة في التعبير فضلاً عن استعماله بعض الكلمات الدخيلة الشائعة على اللسان العامي مثل لفظتي البابورات، السبنيول وغيرهما. وعلى كل فإن أسلوب صاحب المخطوط يعكس لغة عصره وثقافة بيئته حيث يصبح استعمال المحسنات البديعة من متطلبات الأسلوب البليغ ولو كان في ذلك تكلف، وحيث يكون السجع أداة تعبير ولو أدت كما هو الحال إلى الالتجاء إلى الترادف دون هدف بلاغي أكيد أو حشو العبارات بمفردات لا يتطلبها المعنى المراد.