يضم هذا المجلد متن ديوان الشيخ إبراهيم الرياحي كاملاً، هذا إلى جانب شرح أثبت بقلم المحققين محمد اليعلاوي وحمادي الساحلي، وهدف هذا الشرح هو توضيح ما أبهم من مفردات الديوان وما أشكل من معانيه، كما واهتم المحققان بالتقديم للديوان بترجمة عرفت بالشاعر وبديوانه.ومن يطالع متن...
يضم هذا المجلد متن ديوان الشيخ إبراهيم الرياحي كاملاً، هذا إلى جانب شرح أثبت بقلم المحققين محمد اليعلاوي وحمادي الساحلي، وهدف هذا الشرح هو توضيح ما أبهم من مفردات الديوان وما أشكل من معانيه، كما واهتم المحققان بالتقديم للديوان بترجمة عرفت بالشاعر وبديوانه. ومن يطالع متن هذا الديوان يجد أن قصائده تتفاوت في الطول والقصر، من البيت الواحد إلى الخمسة والثمانين بيتاً، وفي الأعراض: وفي مقدمتها المدح والتهاني والإخوانيات، ثم الرثاء والابتهالات والتأريخ بالحروف للمعالم والأحداث -وكذلك الوفيات- على طريقة حساب الجمل، إلى الإجازات والفتاوى المنظومة والمسائل الفقهية والكلامية وحتى الكيميائية التنجيمية. كما وتتفاوت قيمة هذا الشعر: فمنه التعليمي الضحل. ومنه الوعظي البارد، ومنه الغزلي المتكلف. ولكن فيه أيضاً النفحات العاطفية الصادقة المؤثرة، خصوصاً في الابتهالات إلى المولى سبحانه وتعالى، والتوسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومديح أشياخ الطرق الصوفية مثل أحمد التجاني والشيخ علي بن حرازم، وشيخه البشير الزواوي، وفي رثائهم. كما تصدق اللهجة أيضاً وتقوى العبارة وتمتن الحبكة في قصائده المغربية، وهي التي يمدح بها السلاطين أو شيوخ العلم والتصوف. والتفاوت بين مدحه للسلطان المغربي ومدحه للخليفة العثماني ظاهر بين. على أن الذي يلفت الانتباه في المدائح المغربية التي أوردها الشاعر هو التعلق بآل البيت إلى حدّ يتوهم معه أن صاحب الديوان شيعي لولا أنه يتبرك أيضاً بالشيخين وعثمان وحمزة والعباس وسائر الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، فلئن يذكر الأئمة من بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ابتداءً من أصحاب الكساء -أو العباء كما يقول أحياناً- إلى المهدي المنتظر، فليس يصدر عن انتماء إلى الاثني عشرية الإمامية، ولكن عن حبّ لآل البيت يشترك فيه مع كافة المغاربة، ومعلوم أن زيارة قبر الرسول عندنا فرض واجب، تكاد تكون شرطاً من شروط صحة الحج. والشيخ شاعر صوفي يعتز بانتسابه إلى الطريقة الشاذلية، ثم التجانية، معتقد اعتقاداً صادقاً قوياً في تقوى أقطابها وصلاحهم، دون انزلاق إلى معتقدات العوام في مكاشفاتهم وكراماتهم. فهو فقيه صوفي، لكنه متحرر، في الحدود التي تفرضها مالكيته من جهة، ووظائفه الرسمية من إفتاء وإمامة خطبة وتدريس وسفارات إلى المغرب والباب العالي، من جهة أخرى. وهو، مثل أترابه من هذه الفترة، يجنح إلى أساليب الزخرفة في شعره، وأولها التأريخ بالشعر على طريق حساب الجمل، وإن كان في الميل إلى هذا الفن المتلاشي دون صنوه محمود قابادو. وإن مناصبه الرسمية العالية في الدولة، وعلاقته بالبيت الحسيني الحاكم، وصداقته مع بعض وزرائهم كيوسف صاحب الطابع، كانت تفرض عليه أن يشيد بالأحداث التي تمر بهم وبالمنشآت التي تتم في عهدهم، فيسجل الحدث أو إنجاز المعلم في شطر بيت يختم به المدحة أو الوصف أو الرثاء، ويكون ذلك الشطر فيما بعد سنداً للمؤرخين وعلماء الآثار في ضبط تواريخ المعالم.