هذا كتاب يختلف عن كل ما دون قبله من كتابات ودراسات عن القيروان، ذلك لأنه ليس كتاب سياحة بسيط ولا كتاب تاريخ متخصص ولا كتاب حضارة معقد... فهو غير ذلك، وفي الوقت نفسه يحاول أن يكون جامعاً بين السياحة والتاريخ والحضارة، خصوصاً في هذا الظرف الذي يعزّ فيه وجود مثله بين أيدي الزائر...

هذا كتاب يختلف عن كل ما دون قبله من كتابات ودراسات عن القيروان، ذلك لأنه ليس كتاب سياحة بسيط ولا كتاب تاريخ متخصص ولا كتاب حضارة معقد... فهو غير ذلك، وفي الوقت نفسه يحاول أن يكون جامعاً بين السياحة والتاريخ والحضارة، خصوصاً في هذا الظرف الذي يعزّ فيه وجود مثله بين أيدي الزائر الكبير إلى هذه المدينة العريقة، ذلك الذي يتطلع إلى أكثر من مفهوم السياحة السطحي وإلى أكثر من السرد التاريخي الجاف والمعلومات الحضارية المقتطعة في سياقها من الأحداث والأشياء والأشخاص..
وكم قامت الرغبة في السنين الأخيرة لدى الأفراد والهيئات لإتحاف القيروان بمثله لمكانتها في نفوس المسلمين والمعجبين وسداً للفراغ في مكانه بمكتباتنا الخاصة والعامة، ولكن طال ذلك حتى لم يكن بدّ من قيام هذه المحاولة... الأولى، فجاء كتاباً يحتمله الوقت السريع والحمل الخفيف.
وكم كان الجهد فيه يكون يسيراً أو ميسوراً لو كانت المصادر والمراجع متوفرة، ولكنها مع الأسف لا ترقى كثرة ولا أهمية إلى مستوى ما تخطى به كبريات عواصم العالم القديم المماثلة من كتب ومجلدات، فضلاً عما تحفل به من كل جديد من الأبحاث والدراسات في جميع المجالات, ورغم ذلك فقد ذهب التقدير ببعض من قرأه من أهل الاختصاص والعلم أن عدّ,ا القيروان لم تحظ بمثل ما فيه في كتب التاريخ ولا في كتب الحضارة، وميزوه فوق ذلك عن طبقته من كتب السياحة وكتب الثقافة العامة.
ولا يستطيع المؤلف أن يدعي أنه وضع القيروان بين دفتي هذا الكتاب، ولكنه يستطيع أن يدعي أنه كان له، بفضل الحرف والصورة، شرف إبراز ملامح هذه المدينة الجميلة العريقة ذات النفحات التاريخية القدسية وذات الإشعاع الحضاري المخلد كما لم يبرزها فنان أو كاتب بليغ قبله.
والقارئ لا يبيت على ظمئه وهو يقرأه، ولكنه بالتأكيد سوف يظمأ ويرتوي حتى يتمه وهو على ظمأ للعود إليه، لأسلوبه المعجز أحياناً وعباراته المخيرة، وروعة القيروان من خلال وجلال التاريخ على سحنتها أو جلالها على سحنة التاريخ، ولطرافة الحاضر المرقش على قبابها البيضاء وبذاخة المستقبل المتراءى من علو صوامعها الشماء.
هذا الكتاب... ينقصه أن يتكلم بصوت صاحبه، لمحس من خلاله حبه لمدينته وحبه لماضيها، والحب الذي يسكنه لخلودها وبقائها ولازدهارها ونمائها... وهذه العاطفة الحارة في صوته لو كتب لها أن تنتقل إلى وجدان القارئ لما غيرت من حسن ظنه بصدق كتابه مع التاريخ ومع فلسفة التاريخ ومع نبض الحضارة الناطق على شواهد المدينة ومعالمها عبر العصور والأجيال.