-
/ عربي / USD
إنّ كتاب: "جُنّة الرضا في التسليم لِما قدّر الله وقضى"، من تأليف أبي يحيى محمّد بن عاصم الغرناطي، أثرٌ عِلميٌّ أندلسيٌّ نفيس، ترجع أهميّتُه إلى العوامل الآتية:
1-إفتقارِ المكتبةِ الأندلسيّة إلى مصادر أدبيّة وتاريخيّة تغطّي المدّة الزمنيّة التي يتصدّى لها هذا الكتاب، وهي المدّة الممتدَّةُ من أوائل القرنِ التاسعِ الهجريّ حتى منتصف العَقْد السادس منه.
2-أنّ هذا الكتاب يقدِّمُ معلوماتٍ تاريخيّةً نادرة عن مملكةِ غرناطة النَّصريّة في الحقبةِ الزمنيّة المشارِ إليها، وهي معلوماتٌ تفصيليةٌ لا تَقَعُ عليها في أيّ مصدر تاريخيّ عربي آخر، ومما يزيد من قيمة هذه المعلومات أن ابنَ عاصم – مؤلف الكتاب – كان شاهد عيانٍ للأحداثِ التي تصفها هذه المعلومات، وكانت له مشاركةٌ فاعلةٌ في تلك الأحداث بسبب مكانتِه السياسية المرموقة.
3-يحتوي الكتابُ على معلوماتٍ نادرة عن أعلام تلك الحقبة التاريخيّة من السَّلاطين والوزراء والقادة والأدباء، مما لا تقع عليه في أيّ مصدر عربي آخر.
4-يشتمِلُ الكتابُ على جوانبَ كثيرة من سيرةِ المؤلّف نفسه، ويتحوّل في كثيرٍ من صفحاتهِ إلى ما يشبه السيرة الذاتية. 5-يعطي الكتابُ صورةً واضحةً عن أدب ابن عاصم، وذلك لإشتماله على وسائلَ وأشعارٍ للمؤلف.
6-يحتوي الكتاب نقولًا وإقتباساتٍ من كتبٍ ورسائلَ داخلةٍ في عداد الأعمال التراثيّة الضائعة.
7-وللكتاب قيمةٌ إنسانيّة سامية، لأنّ مؤلفه رمى إلى مساعدةٍ مَنْ داهمهم الزمانُ بصروفه ومصائبه، فقدّم لهم النَّصائحَ، وأرشدَهُم إلى السُّبُلِ التي تخفّف من وطءِ المِحَن التي تحيقُ بهم، وعَزّاهم بما أصاب سابقيهم ومعاصريهم من تلك المحن والإبتلاءات.
وتجدُرَ الإشارة إلى أنّ المعلوماتِ التاريخيّة والأدبيّة وغيرها ممّا نقع عليه في هذا الكتاب ليست مقصودةً لذاتها، وإنما أوْرَدَها المؤلّفُ في سياق معالجته لموضوعٍ فريدٍ – أيضاً – هو موضوعُ المِحَنِ والإبتلاءات التي يتعرّض لها الأفراد والدول، وبيان سُبُلِ مواجهتها وضرورة أخذِ العبرة منها، ولذلك نراه يحشِدُ رواياتٍ وأقوالاً وأخباراً تاريخيّة مشرقيّة وأندلسيّة، يحلّلها ويعقِّبُ عليها ويجعلُها في خدمة آرائه، لكنّه يعامل الأخبار الأندلسيّة – التي عاينها – معاملةً خاصة، فيفرد لها، بعد الحديث عن كلّ صورةٍ من صُوَرٍ الإبتلاءات، ما جرى على تسميته بـ "خاتمة الصورة"، وفي تلك الخواتيم يستطرِدُ المؤلِفُ ويتوغّل إلى تفصيلات دقيقة عن الحوادث التاريخيّة حتى يكاد يخرج عن موضوعه، وفي هذه الخواتيم تتجلَّى القيمةُ التاريخيّةُ لهذا الكتاب.
وعلى ذلك، فكتابُ "جُنّةِ الرضا"، كتابٌ في الأدب والتاريخِ والأخلاق والسياسةِ والعقيدة، وهو كتابٌ فريدٌ في بابه، يذكرنا بما آلت إليه أحوال المسلمين في الأندلس بسببٍ من تنازعهم وتقاتلهم وتفرّقهم وإستعانتهم بالأجنبي على أبناء جلدتهم ممّا أدّى إلى إستيلاء الأعداء على البلاد وقهر العباد.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد