-
/ عربي / USD
كان بشار بن برد - ولا يزال - عبثاً ثقيلاً على الوجدان الثّقافي العربيّ، فهذا القنّ المولى الضّرير الّذي أثار، في زمانه، من الزّوابع ما حمل الخليفة المهديّ حمّلاً على أن يزجّ به في زمرة الزّنادقة والمبتدعة، ويأمر بجلده حتّى التّلف، لم يدع أهلَ العلم بالشّعر ودرسه يتّفقون إلاّ على الضيق به والإنزعاج منه والحيرة فيه، وآية ذلك أنّه ما من كاتب تجرّد للكتابة عن بشّار، في القديم أو الحديث، إلاّ تنازعته الأهواء وتناهبته الميول واستبدّت به دواعي الإعجاب أو القلق والنّفور.
ومهما تكن النّظرةُ الّتي نظر بها العلماء والدّارسون إلى هذا الشّاعر وشعره، ومهما تكن هذه النّظرة ميّالة إلى الإنصراف إلى الشّعر دون الشّاعر أو الشّاعر أكثر من الشعر، فإنّ بشّاراً ظلّ، في الثّقافة العربية، مصدر إزعاج يضجر به أكثر المتأدّبين إتّساع أفق ورحابة صدر أو جرأة وجسارة على التعلّق بالحريّة والدّفاع عنها.
وإزاء إستمرار الكتابة في بشار وشعره على نسق واحد هو نسق التحامل عليه يوحْي ممّا فهمه الدّارسون المعاصرون من المنهج التّاريخي، رأينا، في نطاق ما نلمسه من حاجة متأكدّة إلى معاودة النّظر في كيفيّة التعامل مع الشعر القديم، أن نخصّ شاعر البصرة في القرن الثاني بهذا العمل، وكان منطلقنا، في ما نسعى إليه أنّ الشعر العربي القديم بحكم طبيعته وطبيعة الوظيفة التي نيطَتْ به في الثقافة التي ينتمي إليها، يقتضي، في التّعامل معه، حذراً كبيراً من مفاهيم كثيرة تبدو، في ظاهرها، ملائمة له ويكشف البحث المعمّق عن منابذتها لأدقّ خصائصه وألطف مميّزاته.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد