نُشِر هذا الكتاب الذي بين أيديكم ضمن مشروع العصور المتأخرة الذي أطلق في مركز البحوث الإسلامية

إن كتاب إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم هو تفسير للقرآن الكريم لأبي السعود أفندي المتوفي 982هـ الذي تقلد منصب مشيخة الإسلام لمدّة ثلاثين عامًا، في عصرٍ شهدت فيه الدولة العثمانيّة أوج قوّتها.

وأبو السعود واحدٌ من الشخصيات النافذة في عصره، فإلى جانب مكانته

العلميّة والإداريّة تخرجّ على يديه العديد مِن الطلبة الذي منهم مَن صار فيما بعد شيخ الإسلامٍ وقاضيَ عسكر وقاضيًا ومدرسًا. لقد امتاز أبو السعود الذي يُعرف بـ ’’ خاتم المفسرين ’’ و ’’ وأبي حنيفة الثاني ’’ – إلى جانب كونه عالمًا إسلاميًّا موسوعيًّا – بمهارته في التفسير والفقه على وجه الخصوص، ونال شهر قد استحقّها بفضل فتاويه ومشيخته للإسلام، إلى جانب تفسيره الذي بين أيديكم.

إنّ هذا الكتاب الذي ألّفه أبو السعود في مرحلة النُّضج وأتمّه في قرابة عشرين عامًا يحملُ خاصيّات تفاسير الدراية لعصر المتأخّرين، وهي تفاسير تهدف إلى استخراج جميع جوانب المعنى الكامنة في نظم القرآن الكريم، وتولّي أهمّيتة بالغة للتحليل البلاغي واللغوي لتحقيق ذلك.

وقد نجح أبو السعود الذي انكبّ على تحديد المعاني الدقيقة والكامنة في الآيات نجاحًا بالًغا في تحديد وتوضيح عناصر الترجيح في العبارات والاختلافات في اللغة، إلى جانب تفسيراته اللغويّة، وهو صاحب ثراءٍ في المُحتوى يتجاوز به في بعض المواضع كتابَي الكشّاف للزمخشري وأنوار التنزيل للبيضاوي اللذين يمثّلان أهم مصدرين اعتمد عليهما. لقد انتشر كتاب أبي السعود-الذي أظهر فيه درايته- في العالم الإسلامي في فترة وجيزة لأّنهُ عُدَّ في ذروة البلاغة العربية بفضل خاصّيّاته اللغوية والأسلوبية، ونال شهرة لم ينلها أيّ تفسير آخر بعد الزمخشري والبيضاوي وأخذ مكانه بين المصادر الأساسيّة للتفاسير اللاحقة ليُدرَّس في المدارس ويتمّ إجراء دراساتٍ مختلفة عليه.

لقد طُبع تفسير أبو السعود ونُشر حتى إلى حد الآن عديد المرات، لكن مِن المعلوم أنّ تلك الطبعات لم تولّي نسخة المؤلّف أهميّة كافية، بالإضافة إلى احتوائها على نقائض وأخطاء مردُّها بعض المشاكل التي تّضمّنها المتن. لذلك كانت إعادة نشر إرشاد العقل السليم الذي يعّد مِن التفاسير ذات الأثر في تاريخ التفسير نشرًا يليق بمقامه مسؤولية ملقاةً على عاتقنا نحن الذين نعيش في الأرض التي أُلِّف فيها والتي تحتوي على أهمّ نُسخِه. وها نحن الآن نضع بين أيديكم العمل الذي أعددناه مِن خلال سعينا إلى العمل وفق مقتضى تلك المسؤوليّة.

إنّ للطّبعة التي بين ايديكم ميزتَين تميزانها عما سبقتها. أولاهُما انّها اعتمدت على نُسخة المؤلّف أبو السعود باستثناء المجلّد الأوّل منها وهو مفقود وعلى نُسَخٍ أخرى نُسِخت على مرأى ومسمع مِن المؤِّلف وقوبِلت على نُسختِه هو.

وثانيهما احتواؤها على جميع تعليقات المؤلّف المُسمّاة ’’ مِنْهُوَات ’’ والتي تضمّنها هوامش نسخة المؤلّف وهوامش النُّسخ التي قوبلت على نُسخة المؤلّف بالنسبة للجزء الأوّل المفقود مِن نسخة المؤلّف. وبهذه الطريقة نكون قد سعينا إلى استخراج المتن على صورته التي خرج بها بِها مِن يدي مؤلِفه.

,,,, والله ولي التوفيق ,,,,