-
/ عربي / USD
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، وبعد.
الدين الإسلامي دين حياة، وفقه حياة، ومنهج حياة، وأسلوب حياة، وليس فقط دين الواجبات والشعائر الدينية، ولأنّ الإنسان هو المحور وقطب الرحى التي تدور حوله هذه الحياة، كان لا بد من الوقوف عند هذا الإنسان قليلاً من أجل فهمه أكثر، وبناء تصوّر منطقي وصحيح حوله، يكون مقدّمة لتأسيس حياة إنسانية منسجمة مع تكوينه وهندسته الخلقية والوجودية. فمن غير المقبول أن نضع البرامج الإنسانية التي تهدف إلى تلبية حاجات هذا الإنسان على مختلف الصعدمن دون فهم هذا الإنسان ودراسته دراسة تحليليّة معمّقة وأصيلة.
وعندما نقول أصيلة لا محالة علينا الرجوع إلى جهة موثوقة غاية الوثوق، جهة يُمكنها أنْ تُلبّي كافّة احتياجات هذا الإنسان الفكرية والعملية والسلوكية، لكونها على علم ودراية بخلقته وتكوينه، وعلى معرفة دقيقة بكلّ ما يُصلحه ويُصلح حياته. وهنا يأتي الكلام عن الدين وخصوصاً الدين الإسلامي الذي تصدّى لهذه المهمّة وجعل بناء وتأسيس حياة الإنسان من صلب أهدافه الكبرى. وعملية البناء هذه تحتاج إلى متخصّصين وأصحاب السبق والتقدّم في هذا المضمار، فكانت رحمة الله تعالى بعباده أن جعل لهم أئمّة يهدون بأمره: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ﴾1.
أئمّة أناروا لنا درب الإنسانية بعلومهم وأخلاقهم وتقواهم وورعهم، فكانوا بحقّ أمل هذه البشرية لنيل فرصة الفوز بحياة إنسانية كريمة. فلم يتركوا شاردة ولا واردة تحقّق لنا هذا الهدف العظيم إلا وذكروها. فتصدّوا بكلّ قوّة ليشرحوا لنا من هو الإنسان الحقيقي، وكيف يصنع صناعة حقيقية، صناعة يُحافظ معها على هويّته الإنسانية، فلا يغدو كالأنعام بل وأضلّ سبيلاً: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾1، وليقولوا لنا ببضع كلمات نورانية: إنّ الإنسان متقوّم بأمرين أساسيين من دونهما لن يكون إنساناً، وبالتّالي سوف يفقد فرصة الفوز بالحياة الإنسانية الكريمة، الأول هو إحياء العقل، من خلال التفكّر والتعلّم التدبّر في الله تعالى وآياته، والثاني هو إماتة النفس، بالمجاهدة والتهذيب الخلقي للنفس. عن الإمام علي عليه السلام في وصف حال السالك الطريق إلى الله : "قَدْ أَحْيَا عَقْلَهُ وَأَمَاتَ نَفْسَهُ، حَتَّى دَقَّ جَلِيلُهُ وَلَطُفَ غَلِيظُهُ وَبَرَقَ لَهُ لَامِعٌ كَثِيرُ الْبَرْقِ، فَأَبَانَ لَهُ الطَّرِيقَ وَسَلَكَ بِهِ السَّبِيلَ وَتَدَافَعَتْهُ الْأَبْوَابُ إِلَى بَابِ السَّلَامَةِ وَدَارِ الْإِقَامَةِ، وَثَبَتَتْ رِجْلَاهُ بِطُمَأْنِينَةِ بَدَنِهِ فِي قَرَارِالْأَمْنِ وَالرَّاحَةِ، بِمَا اسْتَعْمَلَ قَلْبَهُ وَأَرْضَى رَبَّهُ "2. ومع الالتزام بهذين الركنين تُصبح البشرية على جادّة الصراط المستقيم، للإنسانية المستقيمة في سيرها نحو كمالها وحياتها الكريمة.
يتضمّن هذا الكتاب سلسلة من البحوث والدراسات لبعض أعلام الفكر الإسلامي الأصيل، حول الحياة والإنسان، والوظائف والأدوار الدنيوية للناس في هذه الحياة، التي تبدأ بالعلم والفكر والعقيدة الصحيحة، ولا يكتفي بتزكية النفس، بل يُهيّء النفس والروح للارتقاء بطمأنينة إلى الباري عزّ وجلّ.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد