إنّ الكائن البشريّ الذي يتقصّد أن يجعل واقعته تتطابق مع معناه في سبيل بلوغ مقام المطلق، يظلّ بما هو كائن بشريّ كائنًا غير مكتملٍ، خليطًا من الكائن واللّاكائن، كائنًا في انتظارٍ دائمٍ لذاته. ومن ثم، يظهر الكائن البشريّ من خلال تحليل تجربة الخيبة كائنًا مُعضلًا بالأساس: معناه موجود على نحو فعليّ، ومحايث، ويعمل على تحقيقه تحقيقًا واقعيًّا، ومع ذلك يبقى -على ما يبدو-أمر بلوغه في تعاليه متعذِّرًا. وعلى الرّغم من ذلك، يظل كِلَا البُعدَين المؤسِّسين للواقع البشريّ، البعدين الْمُعَدَّيْن لكي يتطابقا، غير قابلَين للاختراق في كليّتهما. من هنا، يبدو أنّ الواقعة عاجزة عن أن تكون في الحقيقة وفي ملءِ القوام واقِعَةَ مَعْنَاهَا. في الوقت نفسه، الذي يبدو فيه المعنى-بسبب الفائض الذي يُمَيِّزُه من واقعته ويَدْفَعه إلى تجاوزها-عاجزًا عن أن يكون في الحقيقة وفي ملء القوام مَعْنَى وَاقِعَتِهِ. إنّ فشل هذين المكونين للواقع البشريّ ذاته في أن يتطابقا بغية تكوين وحدة الكائن ذاته الذي من شأنه أن يحقّق كينونته الحقيقيّة في ذاته، ليصل من ثمّ إلى اكتمال كينونته، هو ما يُشَكِّلُ مُعْضِلَة هذا الكائن التي لا مناص منها، كائن تمكّن من مطابقة ذاته ولم يتمكّن من مطابقتها بعد. كائن تتركّز ماهيّته أو معناه في بلوغ مقام الحريّة. كائن يتركّز قَدَرُه بما هو أصل حزنه الميتافيزيقيّ، في العالم، أي في التعلّق بموضوعات لا يحوزها من جهة، وفي الصيرورة، أي في التعلّق بالزّمان، من جهة أخرى.
Share message here, إقرأ المزيد
الواقعة والمعنى : تمهيد لفلسفة الخيبة