تجمع كلَّ الدراسات والبحوث المصطلحية على أنّ المصطلحات تمثل مفاتيح العلوم، وهي نواة وجودها، ولا يمكن لها أن تؤسس مفاهيمها ومعارفها دون ضبط هذا الجهاز المصطلحي الذي يؤسس هوية كل علم من العلوم، بل تتفاضل العلوم بمدى تطور جهازها المصطلحي ومسايرته للنظريات العلمية الخاصة به.
فتتسم ظاهرة المصطلح بشموليتها لتخص كلّ العلوم والمعارف، ولكنها تتوسل كلّها باللغة لصناعة مصطلحاتها، وهنا يكمن الدور اللساني في تأطير هذه الصناعة، وتحديد قوانينها الواضعة للمصطلح والمولدة له.
فيتساوق المفهوم مع صناعة مصطلحه مع أنساق معرفية تحددها الأسس الفلسفية والمنطقية والأنطولوجية للتكوين المفهوم.
وحسب فيستر "لا تحصل في العلوم صفة النسقية إلاّ إذا احتوت على أنساق مفهومية ولا يمكنها ذلك إلاّ إذا وجدت تلك الأنساق داخل أنساق مصطلحية".
فيبنى العلم على الملاءمة بين النسقين المفهومي والمصطلحي، وهو ما يؤسس للنظرية المصطلحية بجانبيها النظري والتطبيقي، إذ المفهوم تكوين تصوري يتشكل في نسق ذهني تربطه علاقة قصدية مع مصطلح يتشكل في نسق لساني خاص به.
ولذلك ارتبط المفهوم بالميدان العلمي وارتبط المصطلح باللغة الخاصة بهذا الميدان في علاقة تكاملية هدفها التواصل والتفاهم بين المختصين.
وبما أنّ المصطلح هو الضامن الوحيد لنشأة العلوم وتصنيفها وتطويرها، فإنّ "كلّ نشاط إنساني وكلّ حقل من حقول المعرفة البشرية يتوفر على مجموعة كبيرة من المفاهيم التي ترتبط فيما بينها داخل الحقل الواحد على هيئة نظام متكامل، وتكون على علاقات بمفاهيم الحقول الأخرى، كما يتوفر كلّ حقل على مجموعة كبيرة من المصطلحات التي تعبر عن مفاهيمه لغوية، ويصاحب كلّ تقدم وتطور في حقول المعرفة نمو وزيادة في عدد المفاهيم التي تحتاج إلى مصطلحات تقابلها".
فالمصطلحات هي تسميات لغوية لتلك المفاهيم ووحدات رمزية تعبر عن المفهوم كما هو الحال في علم الإشارات أو الرياضيات أو الفيزياء والكيمياء وغيرها من العلوم التي تبني مصطلحاتها على نمط الرموز.
Share message here, إقرأ المزيد
المصطلح اللساني وتأسيس المفهوم