أشار الشيخ الصدوق مصنف الكتاب إلى أنّ الغاية من وراء تدوين الكتاب تكمن في الدفاع عن مسألة غيبة الإمام، قائلاً: إنّ الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا: أني لمّا قضيت وطري من زيارة علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه رجعت إلى نيسابور وأقمت بها، فوجدت أكثر المختلفين إلي من الشيعة قد حيرتهم الغيبة، ودخلت عليهم في أمر القائم عليه السلام الشبهة، وعدلوا عن طريق التسليم إلى الآراء والمقائيس، فجعلت أبذل مجهودي في إرشادهم إلى الحق وردهم إلى الصواب بالأخبار الواردة في ذلك عن النبي والأئمة صلوات الله عليهم، حتى ورد إلينا من بخارى شيخ من أهل الفضل والعلم والنباهة ببلد قم، وهو الشيخ نجم الدين أبو سعيد محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت القمي...
فبينما هو يحدثني ذات يوم، إذ ذكر لي عن رجل قد لقيه في بخارى من كبار الفلاسفة والمنطقيين كلاماً في القائم عليه السلام قد حيره وشككه في أمره لطول غيبته وانقطاع أخباره، فذكرت له فصولاً في إثبات كونه عليه السلام ورويت له أخباراً في غيبته عن النبي (ص) والأئمة عليهم السلام سكنت إليها نفسه، وزال بها عن قلبه ما كان دخل عليه من الشك والارتياب والشبهة، وتلقى ما سمعه من الآثار الصحيحة بالسمع والطاعة والقبول والتسليم، وسألني أن أصنف له في هذا المعنى كتاباً، فأجبته إلى ملتمسه ووعدته جمع ما ابتغى إذا سهل الله لي العود إلى مستقري ووطني بالري.
فبينما أنا ذات ليلة أفكر فيما خلفت ورائي من أهل وولد وإخوان ونعمة إذ غلبني النوم فرأيت كأني بمكة أطوف حول بيت الله الحرام وأنا في الشوط السابع عند الحجر الأسود أستلمه وأقبله، وأقول: " أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة " فأرى مولانا القائم صاحب الزمان- صلوات الله عليه- واقفاً بباب الكعبة، فأدنو منه على شغل قلب وتقسم فكر، فعلم عليه السلام ما في نفسي بتفرسه في وجهي، فسلمت عليه فرد عليّ السلام، ثم قال لي: لم لا تصنف كتاباً في الغيبة حتى تكفي ما قد همك؟ فقلت له: يا ابن رسول الله قد صنفت في الغيبة أشياء، فقال عليه السلام: ليس على ذلك السبيل آمرك أن تصنف ولكن صنف الآن كتاباً في الغيبة واذكر فيه غيبات الأنبياء عليهم السلام.
ثم مضى صلوات الله عليه، فانتبهت فزعاً إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى إلى وقت طلوع الفجر، فلما أصبحت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب ممتثلاً لأمر ولي الله وحجته، مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه ومستغفراً من التقصير، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
ويعد كتاب كمال الدين وتمام النعمة من أهم الكتب في بابه فهو كتاب بليغ في موضوعه، ممتاز في بابه، ولم يرى في هذا الموضوع كتاب أنبل منه ولا أعذب مشرعاً ولا أطيب منزعاً، ليس لأحد من المتقدمين ولا المتأخرين مثله على كثرة ما صنفوا في ذلك في حدة الفكرة ونفاذ الخاطر وما لمؤلفه من الذكاء والنباهة.
يبحث فيه بحثاً تحليلياً عن شخصية الإمام الغائب عليه السلام ووجوده وغيبته وما يؤول إليه أمره عليه السلام ويناضل ويبارز فيه مخالفيه ومنكريه وأجاب عن شبهاتهم وردّ على تشكيكاتهم ببراهين ساطعة وحجج بالغة داحضة.
Share message here, إقرأ المزيد
كمال الدين وتمام النعمة