كان لا بد لنا من مواجهة مفهوم الجوهر بقضاء من التعريفات له، والجوهر غني بكثرة تعريفاته بحيث أصبح لدينا أشبه ما يكون بالتراث الخاص بالجوهر مفاهيم وطرقاً للقول، وبما أن البحث يبقى، مهما كان متخصصاً، خطاباً يَكتب برسم قارئ مَفترض أو متعبين فقد جعلنا ذلك نطيل في السرد التاريخي لمعاني الجوهر لأهميته هو بذاته ولموضوع الكتاب، ولستُ بحاجة إلى التنويه إلى أنني إعتمدت في هذا المدخل على عملي السابق في هذا المجال (واترك الفروق في توظيف النصوص والمصادر وتنويعها لحكم القارئ) ولكنني بحاجة إلى القول للقارئ في هذا المقام، إنني بذلت كل جهدي واجتهادي لإنجاز هذه (الزبدة) الضرورية التي ستبنى عليها المقاربات النقدية التي ستطرح في هذا الكتاب.
ولكي يشتمل هذا العمل الخاص بفحص الجوهر، على وفق الفرضية التي ذكرناها، على أكبر عدد ممكن من الإتجاهات، ذهب النظر إلى إتجاهات سابقة ومعاصرة للإتجاهين، فإنّ كانت متعاصرة معها فنحن بها (كما يقال)، فحص إشكالية الجوهر في هذا الإتجاه أو ذاك، أو تعيين موقفه منه؛ وإن كانت سابقة، فلا بد أن تكون بمثابة مدخل أو تمهيد، كما ذكرنا، تجد تسويغها في إطار واقع الأثر والتأثير في الأفكار، وإن جميع إتجاه الأمرين معاً فقد تطلب التوقف عنده والتعرض لأطروحاته الفلسفية بالرجوع إلى مصادره، وهذا ما فعلناه في الواقع مع الفينومينولوجيا في القسم الأول، والبراجماتية لجيمس (حصراً) في القسم الثاني.
Share message here, إقرأ المزيد
إشكالية الجوهر في الفلسفة المعاصرة - سلسلة مسائل فلسفية