ليست غاية الأسفار الإمتثال لأعراف العالم الذي يزوره الرحّالة، بل معرفة أحواله، واستيعاب تجاربه، وإدراجه مؤثراً في نظرته إلى نفسه، وإلى العالم الذي قَدِم منه.
ومهما كان التباين قائماً بين العوالم، فالتخوم متداخلة، والمصائر مترابطة، وذلك يُثري الهوية، ويصقل التجربة؛ فالإرتحال اكتشاف شخصي، واحتفاظ بأثر اعتباري، ثم استعادة ذكرى، ولا ينبغي أن تكون كتابة الأسفار مبع كراهية يزدري به المترحّل الأمم الأخرى، فالأحرى أن تكون مصدر هوى يتقرّب إليها بأسفاره، ولا وجود للإنسان بلا ذكرى، ولا معنى لحياته من دون ذاكرة، وأحسبَّني في فئة من الناس تفضّل رواية تجاربها أكثر ما تحبّ تصويرها، فبانتقال العالم من أن يكون موضوعاً للغة إلى أن يكون موضوعاً للصورة خسر ما كان يجعله خلّاباً؛ لأنه جرحَ الخيال المكوّن له، واكتفى بالصورة دليلاً إليه، وذلك أدنى للتزييف منه إلى التوثيق؛ لأن الإنسان ينشأ على معرفة العوالم بالأشكال الثابتة عنها، فلا حاجة له إلى معرفتها متحوّلة بذاتها، وتنطفئ الرغبة في قراءة ما كُتب عنها بوجهات نظر عديدة؛ فالناس لا يتكلّمون لغة واحدة؛ لأن أفهامهم مختلفة، وهذا هو شأن العوالم التي يعيشون فيها.
Share message here, إقرأ المزيد
كتاب الأسفار