إن كتابنا هذا هو محاولة ممتعة وجادة في آن واحد. إنه يصدر عن همّ بحثي متراكم منذ سنوات، وسيناريو الكتاب يكشف عن هذا الهم إنه يتناول النظرية التحليلية النفسية كأساس للمعرفة ولاستراتيجية وسائل التدخل العلاجي. كما أنه يتناول الميادين الإبداعية التي تدخل في مجال هذه النظرية من باب مفهوم التسامي التعبيري والتعويضي، كما يتناول الفكر الديني كملهم ومؤدٍ إلى تفهم أكبر لمتاهات غير المرئي وغير المنظور، ليعود بعدها كتابنا ويرسم فقرات مكثفة من خلاصات تدخل المؤلف العيادي المديد منذ السبعينات وحتى الآن.
إلا أن قاعدة الكتاب الأساسية هي مقدمته التي تدور حول توليف العلوم النفسانية على وقع ووتيرة العلوم الدقيقة وبخاصة الرياضيات والفيزياء والكيمياء والعلوم الطبية والطبيعية. هذا هو الهدف الأساسي للكتاب، فهم صدمة التحول وتحولات الصدمة، إنها حشرية معرفة الآلية التشكيلية المؤدية إلى حصول الحدث أو تلك المؤدية إلى تداعيات وتكيفات ما بعد الحدث. الحدث الانفجاري هو النقطة المركزية لحركة الحشرية العلمية المشار إليها، مكانه وتجلياته. أما زمان ما قبل الحدث وما بعده فهو محاولة لتنظيم الحدث وبنائه في سياقه ونسقه. من هنا صمم هذا الكتاب لكي يكون محاولة لربط الحدث المادي المرئي بالزمان والمكان غير المرئيين لآلية صناعة الحدث ورصد وإنتاج تداعياته. وتستدعي العلوم الدقيقة في ذلك مع العلوم النفسانية التي تتعاطى مع الذكاء المتطور للمادة المكونة في حضن وسفح وعلى أنقاض الانفجار العظيم. وتتساوى في ذلك أهمية بصمات التطور وبقايا في الحجر والبشر وفي الآفاق وفي الأعماق.
