ورد العنوان بصيغة السؤال، ما قد يجعل القارئ يظن أو يتوقع أنه سيحصل على إجابة أو إجابات عن هذا السؤال، إلا أن الشعر كما يبدو ليس في وارد البحث عن إجابات، وإنه مشغول بإثارة أسئلة محددة بكونها شعرية، وتنتمي إلى فضاء الشعر. مع هذا فقد أسس الشهري فضاء دلالياً ولغوياً ينبثق من تساؤله هذا، إذ حضرت التساؤلات الفلسفية المتعلقة بالوجود والموت والحياة والذكريات ومصائر الإنسان، وكثرت المفردات المرافقة لذلك المناخ مثل مفردة الحزن سواء على ما مضى من ذكريات لطالما أرقت الشاعر، أو على واقع جعله يعيش في وضع أقرب ما يكون إلى العزلة والوحدة:
" تحوَّلتُ إلى ثلجةٍ؛ أرتدي الجليدَ كي أعيشَ ..
على نحوٍ يدعو للخجلِ، أنا حزينٌ ..
بقيَتْ على ملامحي كلُّ الأحداثِ التي تجاوزتُها ...
ما زلتُ واقفاً كتمثالٍ، لم أستطعْ أن أقولَ وداعاً،
قلتُ وداعاً بعشرين كلمةٍ، وفشلتُ..
رحلَ الأصدقاءُ وبقيتُ وحيداً أهشُّ على قطيعِ أحلامي..
حينما طلبتُ مِن أصدقائي هديَّةً أتذكَّرُهم بها بعدَ
رحيلِهِم، أَهدُوني: هالاتٍ سوداءَ تحتَ عينَيّ.."
إلا أن هذا الحزن، وإن وسم معظم القصائد، شفيف ورقيق لا يؤدي إلى إحباط أو شلل تجاه الحياة، بل إنه شكل -انطلاقاً من البعد الفلسفي للديوان- حافزاً نحو المزيد من الانتباه للعيش والتيقظ إزاءه. ونتيجة لذلك فقد كان الأمل يظهر في القصائد بأشكال شتى من الظهور؛ فقد تكلم عن الحب والصداقة والمرأة وذكريات الطفولة وما إلى ذلك من أجواء تمنح الحياة ذلك البعد الجاذب:
" كنتُ مؤمناً قويَّاً/ كانَ العالَمُ هَشَّاً يمشي
تحتَ الأرصفةِ، لا أدري أين أَضَعتُ إيماني/
في الطِّريقِ؟
في الطَّريقِ أَضَعتُ أشياءَ كثيرةً، لم يكنْ
مِن بينها: إيماني ..".
سهّل عليه مهمته تلك تمكنه من التعبير اللغوي والأداء الشعري على مستوى الاستعارة وعدم انزلاق التعبير إلى ما ليس يجدي أو ما ليس يُفهم، فقد بدت لغته سلسة خالية من تعقيدات البلاغة والمجازات.
Share message here, إقرأ المزيد
من أين يأتي هذا الموت كله؟