يتغيَّا هذا الكتابُ تقديمَ قراءة جديدة لتاريخ الفكر السياسي الإسلامي منذ مطالع العصر الوسيط إلى أواخره؛ إذ يُولي عنايتَهُ لفكر ابن تيمية، الذي يُعَدُّ واحدًا من أجلّ العلماء المسلمين في زمانه وأولاهم بالحِفَاية والتقدير. وقد دَرَجَت السردياتُ المعهودةُ التي تناولت التاريخَ السياسيَّ السُّني على اتخاذ العصر الكلاسيكي (الذي يمتد بين القرنين الرابع والسادس الهجريين) حدًا تنتهي إليه؛ فلا جَرَمَ أغفلت سُهْمَةَ ابن تيمية في هذا الباب. ويرصدُ عويمر أنجم في هذه الدراسةِ الأصيلةِ التأثيرَ الذي خلَّفه ابنُ تيمية، مُبيّنًا إلى أيّ حدٍّ يمكن أن يُسْهِمَ هذا التأَثيرُ في إلقاء الضوء على مسار الفكر السياسي الإسلامي برُمَّتِهِ والحقُّ أن ابن تيمية لم يُنْكِرْ نموذجَ الخلافة، كما شاع عنه، ولكنه قدَّم لها تعريفًا جديدًا مُبَاينًا لتعريفها القديم تمامَ المباينة؛ إذ صارت تشير لديه إلى نظام سياسي عقلي غرضُهُ خدمةُ الأمة والوفاء بمصالحها. وقد وظَّف ابنُ تيمية مفهومَ الفطرة المنصوصَ عليه في القرآن، بعد أن أعاد تفسيرَهُ تفسيرًا مبتكرًا، فجعل أمةً المؤمنين - بقراءتها الفطرية للوحي المُنَزَّل- هي المحور الذي تدورُ حوله المرجعيةُ المعرفيةُ العُليا. وعلى هذا النحو، هَدَمَ ابنُ تيمية مبدأ النخبوية الذي ترسَّخ في المذاهب الكلامية والفقهية والرُّوحية إبان العصر الكلاسيكي، وسعى إلى إحياء البُعْد الأخلاقي السياسي الذي امتاز به الإسلامُ، غيرَ مُقْتَصِرٍ على بُعْدِه الفقهي الصارم. وبعدُ، فقد بذل عويمر أنجم غايةَ وُسْعِهِ؛ ابتغاء تقييم المُنْجَزِ التَّيْمي من منظور مختلف، فاشترع في النظر إليه سبيلًا جديدًا لم يعهده قرَّاءُ العربيةِ فيما يُطالعونه من تفسيرات تقليدية للفكر الإسلامي إبان العصر الوسيط.
Share message here, إقرأ المزيد
السياسة والشريعة والأمة في الفكر الإسلامي : اللحظة التيمية