أردنا ببحثنا هذا إجراء مقارنة، لا من أجل المقارنة لذاتها، بل من أجل إحقاق حق وإبطال باطل. والباطل الّذي نعنيه هو تجريد الفكر الإسلامي من كل صلة بالمنهج التجريبي وبقواعد الاستقراء لاكتشاف العلّة الطبيعيّة، والحق الّذي نقصده هو ابتكار المسلمين (علم الأصول) وتحديد قواعد استقراء العلّة الشرعيّة التي هي قواعد صالحة لاستقراء العلّة الطبيعيّة أيضًا. وقد تمثّل لنا هذا الباطل وهذا الحق في صورة إشكال اشترك في إثارته أصحاب دعوى ذوو سلطة فكريّة في الثقافة الأوروبيّة، وأصحاب دعوى أخرى ذوو بصر نافذ ودراية واسعة بالثقافة الإسلاميّة، وذوو اطلاع كاف على معالم الثقافة الأوروبيّة، ومعرفةٍ بمواردها ومَسَارِبِها. وبهذا وجدنا أن السلطة العلميّة عند أولئك تقابِلُها عند هؤلاء سلطةً علميّة أخرى. إنّ بحثنا هذا يستمد أهميته أولًا من كونه يقطع الصمت المخيم على قيمةِ «منهجيّةِ)» ابتكرها علماء الأصول، وكان لها في مرحلة من مراحل الفكر الإسلامي الأثرُ البالغ في حياة المسلمين النظريّة والعمليّة، وثانيًا، من كونه يمد البحث والمناقشة في هذه «المنهجيّة» بالمادة العلميّة والتاريخيّة التي كانت تفتقر إليها، وبالأبعاد التي تمتد إليها في الآونة الراهنة، والتي يمكن أن تفتح الطريق أمام اكتشاف أبعادٍ أخرى، يعينها التّوغُل في البحث والمناقشة، اللذين لا يمكن أن كون عملنا هذا سوى صورة من صورهما العديدة الممكنة، ما دمنا نريد أن نلتزم فيه روح الموضوعيّة وأن نسلك فيه طريقًا نأمل أن نصل في نهايته إلى نتيجة موضوعيّة.
Share message here, إقرأ المزيد
مسالك العلة وقواعد الاستقراء عند الأصوليين وجون ستوارت مل