-
/ عربي / USD
الكتاب من تحقيق محمد خير رمضان يوسف.
برك الماء كانت منتشرة في السابق، سواء ما كان منها في المساجد، أو في النزل، أو في الدور الكبيرة، أو في غير... ها، بأشكال وأحجام مختلفة. وما زالت موجودة على شكل نوافير، لكن اقتصر استخدامها في العصر الحاضر -غالباً- على الناحية الجمالية وتلطيف الجو، بينما كانت تستخدم في السابق للتنظيف والتطهير والزينة معاً.
وقاعدة النوافير، وهي المساحة المخصصة لاستقبال ما ينفر من أنابيبها من مياه، هي أيضاً تسمى "بركة" أو يمكن تسميتها بذلك.
ولا تعدم أن تجد مدناً في بلاد إسلامية في مساجدها نوافير ما زال يتوضأ منها الناس. فالأمر واقع حتى الآن، حيث البرك في المساجد والمرافق العامة.
وقد ينقطع الماء عن البركة لفترات، فتبقى مستنقعاً لا تتحرك أطرافه، ويبقى الناس يتوضأون منها ويغتسلون... فهل يجوز ذلك؟ وهل وضوؤهم منها صحيح؟
هذا ما دعا العالم الجليل محمد بن علي بن طولون الصالحي لبحث هذه المسألة التعبدية المهمة، وإفرادها في كتاب، حيث تناهى إلى سمعه أن بعض حاشية السلطان سليم الأول -من المشرفين على هذه الأمور- نهوا الناس عن التوضؤ منها والاغتسال، بحجة أنه إذا انقطع الماء عن البركة بات استعماله للمرة الواحدة كافياً ونهائياً، ولا يجوز -من بعد- استعماله للتطهر.
فأفتى بجوازه للطهارتين، وأنه القول الراجح في المذهب الحنفي.
لكنه رأى أن فتواه هذه لا تتضح إلا ببيان الوجه، أو الأوجه التي بنى عليها، فإن للمسالة أطرافاً أخرى، وارتباطاً بأمور مختلفة.
فكم يفترض أن يكون حجم البركة ليعتبر ماؤها طاهراً بعد الاستعمال؟ ومتى يعتبر الماء -بشكل عام- مستعملاً أو غير مستعمل؟ وما حكم استعماله؟ وهل يعتبر مستعملاً إذا خالطته مائعات أو جامدات غيرت أحد أوصافه؟ وماذا لو لامس الماء جنب؟ ما هو حد قلة الماء وكثرته، ومتى يتنجس؟ وما هي الآثار الواردة في ذلك وتخريجات أهل الحديث لها؟؟
كل هذه الأمور التي بحثها المؤلف -مع مسائل تفريعية أخرى- تتعلق بالبركة وأشباهها، وأوردها المؤلف حتى تتبين صورة الفتوى التي أفتى بها، والوجه الذي بنى عليه، وقد ذكر أن مسائل منها وواقعات -في المذهب- تشتبه على طلبة العلم، بل على علماء.
وقد أورد اختلاف علماء المذهب نفسه وردودهم على بعضهم البعض، وهي تظهر مدى صعوبة البحث في الطهارات ودقتها، التي يلزم فيها اعتبار جانب الاحتياط كثيراً، والإطلاع على أصول المسائل والوجوه التي ينبغي القياس عليها. وقد أوردها بإيجاز، وانتقى منها مسائل قريبة، وتفصيلاتها وفروعها في موسوعات الفقه الحنفي، كالمبسوط وغيره.
والمؤلف شمس الدين محمد بن علي بن طولون الصالحي علام، متمكن في الفقه خاصة، فقد عرض عليه أن يكون مفتياً للمذهب الحنفي في دمشق فأبى، وتعلل بتوالي الأوجاع! وكرس حياته العامرة للعلم فلم يتزوج!
وله مؤلفات غزيرة، تزيد على (750) مؤلفاًن فهو من أغزر المؤلفين إنتاجاً في التاريخ الإسلامي، ومعظمها في العلوم الشرعية.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد