أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بلسان عربي مبين وجعله حجة على العرب الذين بلغوا مراتب الكمال في اللغة والبيان، لكنهم عجزوا عن الإتيان بسورة من مثله، لا بل بآية من مثله، وقد أدركوا بعد أن هداهم الله عظمة الإعجاز اللغوي في القرآن وبأن القرآن ليس من كلام البشر بل هو وحي يوحى.
وكان المسلمون يرجعون فيما أشكل عليهم إلى الرسول والصحابة ثم التابعين من بعدهم فيبينون لهم أسراره ويكشفون لهم غموضه، ولما استشعروا حاجتهم إلى وضع تفسير لكتاب الله عمدوا إلى جملة من العلوم فجعلوها مفاتيح لهذا العلم الجليل والتي ينبغي للمشتغل بتفسير القرآن أن يكون عالماً بها متقناً لها.

وهذا الكتاب الذي أراده مؤلفه أبو النصر السمرقندي المعروف بالحدادي أن يكون مفتاحاً لمن أراد أني لج هذا العلم الواسع "وهو مدخلاً لعلم تفسير كتاب الله ومعانيه وتنبيها على ما غمض من طرقه ومباينة ورداً على الملحدين الطاعنين في كتاب الله" كما يقول في مقدمته...

وفي الكتاب قواعد من العربية والنحو والتفسير والبلاغة وقد عمد المؤلف إلى تقسيم الكتاب إلى أبواب وفصول بدأ بسورة الفاتحة، لينتقل في كل باب على الكلام على ما يدخل فيه من الآيات القرآنية. ويحتج في كل قاعدة بشعر العرب، ويذكر ما يماثلها من القرآن. كما يعرض أقوال المفسرين مما لا يدخل تحت قاعدة نحوية ولا أصل في اللغة وهذا ما يسمى غرائب التفسير. كما يتكلم أيضاً في باب المجاز والاستعارة ويتجر فيه، ويذكر أيضاً باب الكلمات التي جاءت في سورة من القرآن، وجوابها في سورة أخرى أو كلمة جاءت في سورة معطوفة على كلمة في سورة أخرى.

كما يفرد فصولاً للكلام على الحروف ومعانيها وأنواع الكلام من الأسماء والأفعال وأنواع المد وأحكامه ومخارج الحروف. وفيما يخص علم المحقق فإن أصل هذا الكتاب نسخة مخطوطة وعنها نسختان مصوتان. وهي مكتوبة بخط ردئ وفيها تشويهات وتحريفات كثيرة في الكلمات والشواهد. فقام المحقق بضبط النص قدر الإمكان، وأصلح الأخطاء الموجودة فيه كما ضبط الآيات القرآنية وذكر كل آية ورقمها وسورتها وضبط الأحاديث وتخريجها من كتب السنة الموجودة وأشار إلى الأحاديث غير الموجودة فيها وعمد إلى ضبط الشواهد الشعرية والأرجاز الموجودة في الكتاب وشكلها. ولم يهمل التعريف بالإعلام المذكورين وقدم للكتاب بدراسة عن المؤلف وحياته وتلاميذه وشيوخه ومؤلفاته ودراسة عن الكتاب وموضوعة ومنهجه وزود الكتاب بسلسلة فهارس تسهيلاً على الباحثين والدارسين.